ممتاز أرتركونه
هذا هو السؤال الأكثر حساسية الذي من شأنه أن يرشدكم إلى تخمين نتيجة الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في تركيا يوم 7 يونيو / حزيران المقبل: ما نسبة الأصوات التي سيفقدها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات بسبب الرئيس أردوغان الذي يزيد من الحمل الواقع على الحزب بإصراره على تولي مسؤولية رئيس الوزراء في الوقت الذي يجلس فيه على كرسي رئاسة الجمهورية؟
إن المرشحين الذين يسعون لحصد الأصوات، وداود أوغلو الذي يدير الحملة الانتخابية للحزب، بل حتى أردوغان، إن لم يفقد مهارة النظر بموضوعية إلى الأمور، لا بد أن يكونوا مدركين لهذه الوضعية. يتناول أردوغان وداود أوغلو كل أسبوع استطلاعات الرأي العام، وتجري مشاركة نتائجها مع الفريق المسؤول بالحزب. ويجَس نبض الرأي العام في هذه الاستطلاعات بالنسبة لسمعة الزعماء السياسيين على وجه الخصوص. ويتابَع بعناية الدعم الممنوح لكل الزعماء والتغيير الأسبوعي الذي يطرأ على هذا الدعم. تظهر استطلاعات الرأي العام تلك أن نسبة تأييد أردوغان في انخفاض مستمر بسبب صورته التي انهارت بسرعة وانخفاض نسبة الدعم الذي يحظى به.
يمكن لأنصار حزب العدالة والتنمية أن يستخفوا بهذه السطور، فإذا كان الأمر كذلك فلنضع أمامهم دليلًا ملموسًا. لماذا ألغيت الحملة الانتخابية الشخصية الخاصة بأردوغان والتي كانت تحمل اسم “مؤتمرات شُكر في 81 ولاية تركية”؟ هل من قبيل الصدفة أن يخفض أردوغان سقف مطالبه بمقاعد البرلمان من 400 مقعد إلى 335 مقعدًا؟ ومن يعرف القليل عن عالم السياسة يمكنه أن يخمن كيف يبذل مسؤولو حزب العدالة والتنمية جهودًا حثيثة بشكل منسق من أجل إمكانية إقناع أردوغان بالانسحاب من الساحة.
وبينما يحاول داود أوغلو تصغير قضية” النظام الرئاسي” التي يدافع عنها أردوغان وتحويلها إلى قضية بسيطة جزئية في الدستور الجديد لا يدافع عن زعامته وسلطته فقط، بل إنه يحاول في الوقت نفسه تخفيف الحمل الذي وضعه أردوغان على ظهره. أما الدعم المقدم إلى عنصر النظام الرئاسي فيشهد انخفاضاً حاداً بين العناصر المحددة لمواقف الناخبين.
لقد تحول الرئيس أردوغان إلى عنصر” سلبي” بالنسبة لحزب العدالة والتنمية بعدما تخطّى حدود منصبه وصلاحياته. وهذه وضعيةٌ من الصعوبة بمكان إعادة ضبطها وموازنتها. ومن الصعب للغاية أن يستطيع الحزب التغلب على هذا العائق دون الوقوف مليًّا والتفكير بشأن سببه.
يجب البحث عن سبب هذه الوضعية في “عدم مسؤولية رئاسة الجمهورية” المضمون بمبادئ الدستور. فعندما أقدم شخص يتولى منصباً غير مسؤول إلى استخدام صلاحيات فعلية كبيرة ويحدد سياسة البلد من خلال هذه الصلاحيات، تتحطم المعقولية التي تشكِّل القاسم المشترك بالنسبة لنا جميعًا. فحزب العدالة والتنمية يفقد أسباب وجوده في هذه الجلبة التي اختفى فيها العقل والمعقول.
ما هو السبب المعقول الذي يمكن أن يوضحه مرشحو حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بواقعة “استيقاف شاحنات جهاز المخابرات” التي كانت تنقل السلاح؟ النائب العام يصدر التعليمات، وقوات الجاندرما (الدرك) تنفذها. فلو لم ينفذوا التعليمات لكانوا مجرمين لمخالفتهم القوانين المرعية. إنهم نفّذوا تعليمات النائب العام ثم اعتقلوا. تفضلوا واشرحوا لنا هذه الحالة إن استطعتم!
حدثت واقعة طارئة جدًا في قرية ديادن التابعة لولاية آغري شرق تركيا؛ إذ تدخلت قوات الدرك بتعليمات من الولاية في واقعة يمكن للبعض اعتبارها عادية مقارنة بالأحداث الواقعة في ظلّ مفاوضات السلام. فما هدف هذه العملية؟ إن المسألة عبارة عن دعاية انتخابية! ومع العلم بأن الولايات منعت حتى اليوم تنفيذ أي عملية ضد حزب العمال الكردستاني، على الرغم من قلبه النظام العام رأساً على عقب في المنطقة، فلماذا تُدفع قوات الدرك إلى الواجهة في هذا الوقت بالتحديد لتنفّذ مثل هذه العملية؟
إن غياب” المعقول”، أي العقلانية التي يمكن أن يدركها ويتفق عليها الجميع، يضع حزب العدالة والتنمية، قبل أي طرف آخر، في وضعية صعبة لا يحسد عليها. فالرجل الذي يرى وصف “الإرهاب” لائقاً بحركةٍ كحركة الخدمة مجبر على أن يجعل مصطلح “السرقة” محبوباً أكثر لدى الناس. فعندما بادرتم إلى نعت الناس الأكثر براءة على وجه الأرض بالإرهابيين، اعتماداً على أصحاب القوة والمال والإعلام الواقفين خلفكم، تكونون قد أقدمتم على عملية انتحارية ستفقدكم جديتكم وإقناعكم والثقة الكاملة بكم. فالجبل الذي تصطدمون به لا يحدث له شيء، بل ما يتضرر هو رأسكم. سيسألون مرشحي حزب العدالة والتنمية واحدًا واحدًا: “اشرحوا لنا سبب وصفكم لحركة الخدمة بالإرهابية”. فماذا سيكون ردهم؟ لا يستطيع أحد انتقاد أردوغان، حسنًا… كيف سيحصل المرشحون عن الحزب الحاكم في الانتخابات على أسباب” معقولة” حتى يطلبوا من الناخبين تأييدهم في ظل هذه التصريحات والاتهامات؟
كيف ستحمل الأسماء البارزة التي ربتها تركيا وترِد على قوائم حزب العدالة والتنمية ثقل التصريحات التي أدلى بها أردوغان اعتقاداً منه بأن “كل ما أقوله يجد آذاناً صاغية”.
للأسف فإن المنطق والحكمة واللغة المشتركة التي نتفاهم بفضلها على الأقل، والمعقول والطبيعي قد أصابها جرح غائر. وفي الواقع فإن الوقوف في صف الحكومة، في دولة يُبرّأ فيها السارقُ ويوصم فيها البريء بتهمة الإرهاب، وينقسم فيها الإرهابيون إلى فريقين، أحدها جيد والآخر سيئ وفقاً للظروف، بلاء ومصيبة كبيرة. أن تكون في السلطة يعني في الوقت نفسه أن تتحمل المسؤولية. فحزب العدالة والتنمية هو من يتحمل قبل أي أحد مسؤولية تعديل وإصلاح المعايير التي قلبها أردوغان رأسًا على عقب.
جريدة زمان 12/4/2015