علي بولاج
ثمة اعتراضات عدة موجَّهة إلى التيارات “الإسلاموية” التي تتخذ “العودةَ إلى القرآن الكريم والسنة النبوية” و”فتحَ باب الاجتهاد” و”إحياءَ روح الجهاد” (بمعنى طرد المحتلين والمستعمرين من البلاد الإسلامية وتفعيل دوافع الإنعاش الاجتماعي والاقتصادي) كمرجعية لها، وتتبنّى تصورًا معينًا للعالم ونظامًا اقتصاديًا وسياسيًا، وتسعى لتحقيق الوحدة الإسلامية.
هذه الاعتراضات تتعلق أيضاً بشكل وثيق بمسألة العلاقة بين “الدين والسياسة” التي انتقلت إلينا من “الصراع بين الكنيسة والدولة” الخاص بالغرب في عصوره الحديثة. فالإسلام يدفع اليوم فاتورة الجرائم التي ارتكبتها النصرانية الغربية. ويمكننا حصر هذه الاعتراضات في النقاط التالية:
1- إن لاحقة “ية/وية” التي تضاف إلى كلمة “الإسلام” تحوّل الإسلام إلى “شيئ عاديّ”، وتتحوّل الإسلاموية إلى أداة تسوِّق الدين في عالم السياسة.
2- تقسم الإسلامية باعتبارها تيارًا فكرياً اجتماعيًا وسياسيًا المسلمين إلى معسكرين أحدهما “إسلاموي” والآخر “غير إسلاموي” مع أن المفترض هو أن يتحدوا. وقد يؤدي ذلك إلى ظهور الفُرقة.
3- ولأن الإسلاموية أو الإسلام السياسي يضع السياسة والبعد السياسي للحياة الاجتماعية في المقام الأول بمقتضى طبيعته، فإنه يختزل الإسلام متعدد الجوانب والأبعاد في السياسة الصرفة.
4- تختزل الإسلاموية الإسلامَ في أيديولوجية واحدة. أما الأيديولوجيات فهي فعاليات ذهنية تهدف لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية. فاختزال الإسلام في أيديولوجية بين مئات الأيديولوجيات منافٍ لروح هذا الدين ورسالته العالمية.
5- تعتبر الإسلاموية سياسة ممارسة الضغوط على من لا يؤمن بهذا الدين أو حتى من لا يكون إسلامويًا. وعندما يسيطر جهاز الدولة على الوسائل المادية والقانونية تتجه نحو إقامة نظام استبدادي – شمولي.
6- الإسلاموية هي استغلال الدين في السياسة.
تستحق النقاط الاعتراضية الستّ التي ذكرناها الوقوف عندها والتفكر فيها مليًّا. فبغضّ النظر عن نية المعترض على هذه الفكرة فما يقع على عاتقنا هو محاولة توضيح هدفنا في إطار الأدب. وسأحاول بإذن الله الردّ على هذه الاعتراضات من وجهة نظري. لكن يجب أن أوضح أن نقاط الاعتراض الستّ التي سردتها أعلاه ليست على علاقة بأصل مشاكلنا التي تتفاقم بمرور الزمن.
تكمن المشكلة أساسًا في إيجاد المسلمين إجابة مطمئِنة للمشاكل التي يعيشونها اليوم دون الوقوع في خطأ تكرار وإعادة التاريخ انطلاقًا من مصادرهم الأساسية في العالم الحداثي وما بعد الحداثي بينما يحاولون الاستفادة القصوى من تجاربهم التي مروا بها على مدار التاريخ، وتطويرهم لبنية هيكلية لعلاقة الدين بالسياسة ونظرية تأسيسية في مواجهة التأثيرات الثقافية، وإظهارهم مهارة تطوير نماذج سياسية مرتبطة بالزمن بشأن قدرتهم على العيش على أرضية اجتماعية سياسية فيما بينهم ومع الآخرين، وإيمانهم أولًا بالحل الذي أوجوده ومن ثم محاولة إقناع الآخرين به.
الأمر المؤكد هو أننا كمسلمين في وضعية صعبة ومؤلمة. فالدين الذي أنزله الله ليكون سعادة للبشرية وطريقًا لنجاتها في الدنيا والآخرة صار أداة يستغلها البعض لتحقيق مصالح شخصية وجماعية، وصار سلاحًا مستغلاً في صراعاتنا على السلطة. كما تحوّل الإسلام إلى خطاب فارغ المحتوى وعبارات مسمومة يتلفظ بها السياسيون والزعماء “الدينيون” الذين يحرّضون الجماهير ويحشدونها على نحو جاهل. يعيش العالم الإسلامي أزمة كبيرة، ولن نستطيع التغلب على هذه الأزمة على هذا النحو!
ملاحظة: كنت قد قلت في مقالي المنشور يوم 9 أبريل / نيسان الجاري ما يلي: “باستثناء مجموعة من العبادات ذات الصلة بـ”الديانة” مثل الصلاة والصوم، والرموز المتعلقة بالشكل والظاهر، مثل الحجاب واللحية، والطقوس التي ليس لها أساس إسلامي أصلاً، كالليالي المقدسة وأسبوع المولد النبوي الشريف ونقل الأضرحة وما إلى ذلك، عندما يكون الحديث عن الجوانب المادية والاجتماعية والسياسية للحياة، نرى أن المسلمين يفقدون “حساسيتهم الإسلامية” تماماً”. فقال لي صديق إن وصف “الحجاب واللحية” بأنهما رمزان شكليان ربما يضايق من يرتدين الحجاب كواجب ديني، ومن يطلقون لحاهم كسنة نبوية. وبطبيعة الحال لم يكن هذا مقصدي، ما أردت قوله هو أن هناك بعض المسلمين يختزلون الحياة الدينية والكفاح الإسلامي في ارتداء الحجاب وإعفاء اللحية. وبالرغم من هذا أعترف بأن هذا ربما يتسبب في سوء فهم كلامي. وكان يمكن أن أعبر عن غرضي بعبارات أفضل. فأشكر صديقي الذي نبهني إلى هذه النقطة.
جريدة زمان 11/4/2015