بولنت كوروجو
هل سبق لكم أن تعاملتم مع الباعة الجائلين في البواخر (في إسطنبول)؟ يتحدثون عن الدواء المعجزة (!) الذي يخرجونه من حقائبهم ويمدحونه ليبيعوه بمئة ليرة.
وبعد المساومة على السعر يبيعونكم علبة الدواء بخمس ليرات. وحين تصلون إلى البيت تدركون أنكم اشتريم قارورة من ماء الصنبور أضيف إليه بعض العطور فتغضبون لأنكم تشعرون أنكم كنتم ضحية لعملية نصب. وهذه هي حال الذين يحاولون إلصاق تهمة الإرهاب بحركة الخدمة التركية والأستاذ فتح الله كولن. حيث بدأت اتهاماتهم بأفظع الجرائم ثم تراجعت هذه التهم – بعد مرور وقت – لتصل إلى مستوى الاتهام بسرقة السيارات. وإذا كنتم تظنون أنني أمزح فأنتم مخطئون. فأنا أتحدث عن لائحة التهم الصادرة عن المحكمة الجنائية الثانية في أنقرة. فهذه اللائحة التي أصدرها مكتب الجرائم المرتكبة تجاه النظام الدستوري الذي أقرته النيابة العامة في أنقرة.
وكان من بين التهم: “عرقلة تصفية التنظيم الذي ينتسبون إليه داخل مؤسسات الدولة، وإظهار الدولة وكأنها محتاجة إلى منسوبي تنظيم الكيان الموازي، ومحاولة إثبات أن الموظفين الجدد الذين تم توظيفهم بعد نفي منسوبي الكيان الموازي ليسوا أكفاء، والانتقام من الحكومة، ومحاولة إثبات أن موظفي الحكومة الجدد غير قادرين على الوقوف في وجه التنظيمات الإجرامية”.
فهل ثمة داعٍ لبذل مجهود إضافي من أجل ارتكاب جريمة “وصف الكوادر الجديدة بعدم الكفاءة” في دولة يُسرق فيها الهاتف المحمول لمدير الشرطة في شعبة الانضباط من قبل لصوص الشوارع، ويقتحم فيها الإرهابيون المعروفون – إذ سبق نشر صورهم في الجرائد – القصر العدلي (تشاغلايان بإسطنبول) بكل سهولة ويطلقون النار على مديرية الأمن؟
هذه الحجة المضحكة المبكية ذكرتني بمشهد مضحك من أفلام جنيد أركين في التسعينيات، ففي أثناء هروبه من السجن يرتطم بالسجان فتسقط قبعته ويقولون إن هذا المشهد يظهر موظف الدولة عاجزا. وبالتالي يفرضون الرقابة على الفيلم، فهل ثمة فرق بين الحادثتين؟
إن الحادثة التي يستندون عليها في الادعاء وقعت بصورة فيها غرابة أكثر. فقد سُرقت سيارة تابعة لجهاز الأمن من أمام بيت شرطي وتم بيعها. وهكذا ارتكِب عمل إرهابي يظهر عجز الدولة! فمن الذي فعل هذا وكيف تمكنوا من فعل ذلك؟ فعله زملاؤه الذين يحق لهم ركوب السيارة وعندهم نسخ من مفتاح السيارة. والدليل على ذلك بلاغ من أحد مجهولي الهوية وقد اتصل من هاتف عمومي. مع أنه من المعلوم أن الشرطي المشتكي قد سلَّم سيارته للمافيا أو العصابة التي كانت تهدده. ومن خلال بحث بسيط في الإنترنت يمكن لأي أحد الاطلاع على ما فعل المدعو قدير إنان. لكن ما هو الدليل على أن هؤلاء من الكيان الموازي؟ وقد عثر على قرص في بيت أحدهم مسجل فيه بعض المواعظ أو الدروس للأستاذ كولن. ويقول المدعي العام محللا ومستنتجا: “حين كان المتهم موظفا كانت كل الوظائف الحساسة في المديرية العامة للأمن والشرطة بيد أعضاء هذا التنظيم الموازي وما كان المتهم المدعو أكشيث يتمكن من فعل ذلك لو لم يكن عضوا في ذلك التنظيم…”
مع أن من المعلوم بأن هناك كثيرين ممن كانوا يعملون في شعبة استخبارات الأمن آنذاك، نالوا ترقيات فيما بعد وتم توظيفهم في الفترة الجديدة أيضا. وخير مثال على ذلك رئيس الشعبة الحالي أنجين دينتش. وانطلاقا من هذا المنطق الفريد الذي يسوقه المدعي العام فإنه يجب أن يزجَّ بالسجن كل الذين كانوا يعملون حينها في نفس الشعبة وعلى رأسهم أنجين دينتش.
وثمة عبارة في لائحة الاتهامات لا تستوجب التغافل عن وجود المدعي العام وحده بل تستوجب إنكار وجود السلك القضائي بأكمله، وهي: “إن رئاسة شعبة مكافحة الإرهاب في المديرية العامة للأمن هي الجهة الوحيدة المؤهلة في تقرير ما إذا كان كيانا ما تنظيما إرهابيا أم لا”. وبناء عليه فيجب إغلاق القصور العدلية ودور العدل حتى تقرر الشعبة المالية للشرطة ما يتعلق بجرائم الفساد، وتقرر شعبة مكافحة التهريب والجرائم المنظمة في جرائم التهريب. فثمة مديرية لكل نوع من أنواع الجرائم. فلتقرر هذه المديريات بدلا عن المحاكم. بقي تحويل قصور العدل إلى مراكز التسوق، ولا سيما القصر العدلي في تشاغلايان يمكن تخصيصه إلى أحد رجال الأعمال المقربين من رئيس الجمهورية أردوغان، إلى محمد جينكيز مثلا حتى يحقق أرباحا طائلة.
هذا ليس كل شيء في الإجراءات القضائية الغريبة. حيث تم اعتقال 3 أشخاص ينشطون في الأعمال الخيرية من خلال جمعية تنفق على بناء جامع في منطقة سينجان في العصمة أنقرة ، وأعمارهم 90 و 77 و 73. وكانت جريمتهم هي بناء جامع ومجمع خدمات ومدرسة لتخريج الأئمة والخطباء. وقد أُحدثت بعض التعديلات في الأرض المخصصة للمباني المذكورة بقرار من مجلس البلدية. وقد أجري تحقيق حول موظفي البلدية ثم طوي ملف التحقيق حين لم يتم العثور على أية مخالفة قانونية. ولكن زُجَّ بهؤلاء المسنين الخيّرين في السجن بحجة إحداث تغييرات في مخطط الأرض . إن الذين يقومون بكل هذه الإجراءات الغريبة بعضها أكثر من بعض، يستشيطون غضبا إن قيل: “إن هذه الإجراءات أسوأ مما كان يجري في ظل انقلاب 28 فبراير 1997”.