علي يورطاجول
تكلّلت مباحاثات الملف النووي مع إيران بالنجاح في لوزان حيث توصلت الأطراف إلى اتفاقية وصفتها بـ”الإطارية” و”المسودة” و”حجر الزاوية” وغيرها.
وثمة وقت حتى شهر يونيو/ حزيران من أجل تحرير نصوص الاتفاقية. واستناداً إلى المعلومات المسربة والتصريحات والتحاليل، فإنني أظن أن أفضل مصطلح يمكن أن يُطلق على الاتفاق المبدئي في لوزان هو “سينوبين” الذي يُطلق في الإيطالية على مشروع الرسام الأولي في ثقافة الرسم الإيطالي. حيث يضع الرسام مخططاً للوحته كي يعرضه على طالبه سواء كانت تتعلق بصورة إنسان أو كنيسة أو قصر أو بيت.
وكان هذا المخطط يُصنع من حجر شبيه بالحوار ويُجلب من مدينة سينوب. فمخطط سينوبين يُعتبر لوحة فنية لأنها تعكس الخطوط الأساسية للوحة النهائية. وهناك اليوم لوحات سينوبينية قيمة جدا لم تكتمل رسوماتها لمايكل أنجلو ودافنشي. وطبعاً لقد تخلّد هؤلاء الرسامون بلوحاتهم التي وقعوا عليها لسنوبيناتهم.
وهل ستتحول سينوبين لوزان إلى لوحة جميلة موقعة؟ سنرى ذلك. لكن إعراض خامنئي عن الكلام حول الموضوع في عقر داره بطهران يترك المجال لتفسيرات مختلفة. فالحمائم تعتبر هذا السكوت دعما للمباحثات، أما الصقور فيرون أن الكلمة الأخيرة لم تُقل بعد. (ويا حبذا لو كان لدينا زعيم يعرف السكوت أيضاً) الوضع في واشنطن ليس مختلفاً. فهناك جهات تدعم الحل السلمي مع إيران لكن الجمهوريين الذين يشكلون الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ مشغولون بزرع ألغام في الطريق. ولا بد ألا يغيب عن بالنا أن قرارات مجلس النواب حول العقوبات المفروضة على إيران مهمة. ولا شكّ في أن واشنطن كذلك لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.
وينبغي ألا ننسى عامل نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فهو يمتلك ثقلاً لا يُستهان به في السياسة الداخلية الأمريكية من خلال اللوبي اليهودي. وهو يرى أنه لا يمكن الاتفاق مع إيران حتى الآن وإن قال مؤخراً: “أنا لستُ ضد الاتفاق مع إيران، لكنني ضد الاتفاقيات السيئة”.
ومهما يكن من أمر، فالسينوبين أمر جيد، وأن اتفاق الأطراف على السينوبين خبر جيد. لأن العقبة الكبرى في مواجهة الاتفاق مع إيران هي مشكلة الثقة. فالأمريكيون يعتقدون أن إيران تمارس” التقية” في الملف النووي، ولم يكونوا يرون الإشارات المرسلة من إيران. ولذلك فإن المبادرة التركية البرازيلية في 2010 كانت متسقة مع اتفاقية لوزان، لكنها لم تلقَ قبولاً. أما إيران فقد كانت ترى أن الحظر المفروض عليها معناه أن السياسة الأمريكية تجاه إيران تستهدف النظام الإيراني لا الملف النووي.
ونعتقد أنه ما من شك في أن الاستثمارات التكنولوجية النووية في إيران ليست من مصادر الطاقة فقط. فهي دولة تملك حقولاً كبرى للنفط والغاز، ومن السذاجة أن نرد تمسكها بالنووي إلى مجرد الطاقة فحسب. لكن إيران باتت على قناعة في السنوات الأخيرة بأنها غير قادرة على تحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية للسلاح النووي. كما أنها أدركت أيضًا أن التهديدات الداخلية كأحداث ملالي طهران في 1999، والتي تفاقمت بعد الربيع العربي وأحداث سوريا أخطر من التهديدات الخارجية. وذلك لأنه لم يتحقق أي تدخل خارجي إزاء تطويرها لمحطة تخصيب اليورانيوم. بل اكتفى الغرب بتوسيع دائرة الحظر فقط. وتعيش إيران اليوم ظرفاً اقتصاديا أسوأ مما كانت عليه في بداية الأزمة السورية. وأدرك الملالي أنهم لن يستطيعوا تأمين مستقبل شرائح واسعة من الشعب دون أن يحلوا قضية الملف النووي. أي إنهم رضوا بمصافحة الشيطان لإنقاذ ثورتهم.
وقد رأى الغرب متأخراً هذه الحقيقة البارزة في إيران. كما أنه أدرك أيضاً أنه لن يمنع إيران من السلاح النووي دون أن يعقد اتفاقاً معها. وطبعاً لعب بقاء تركيا التي يراها الغرب أحد عناصر الاستقرار في الشرق الأوسط خارج اللعبة دوراً في تغيير الموازين. وإن الاستقرار السياسي في إيران على الرغم من وجود الملالي أفضل من الفوضى. ونأمل أن تتحول سينوبين لوزان إلى لوحة رسم جميلة من خلال توقيع الرسامين عليها.