علي أونال
ألاحظ منذ 26 عاما أن من أكبر المخاوف عند المفكر الإسلامي التركي الأستاذ فتح الله كولن – كما يروى نفس الشيئ عن الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي أيضا – هو أن تركيا قد تدفع أثمانا باهظة لتكون دولة حقوق وقانون وعدالة كما ينبغي.
وربما كان أهم سبب في دعم حزب العدالة والتنمية الذي كان يبدو في الظاهر أنه يقف بجانب الحق والحقيقة والعدالة هو الظن والأمل في إمكانية الوصول إلى المستوى المنشود دون تقديم أثمان باهظة.
إن تركيا ومصر بمثابة مفتاحين من مفاتيح العالم الإسلامي، ولذلك يحتاج حل المعادلات في هذين البلدين إلى فراسة وبصيرة وإخلاص وتضحية في مستويات معينة لدى أفراد الشعب كذلك. وحين يتعذر وجود ذلك نضطر كلنا إلى دفع أثمان معيّنة.
فيا تُرى هل سنتمكن من الوصول إلى بر الأمان في بلادنا التي تمر من أحد أحرج المراحل التاريخية بعد المرور بعواصف مخيفة وخطيرة؟ فهل العواصف ستقتلع ما تقتلع والسيول ستجرف ما تجرف حتى تسطع بعدها شمس الربيع في آفاق تركيا؟ وهذا مرهون بزيادة الدعاء وخدمات أهل الخدمة إلى أضعاف مضاعفة كما سبق أن ذكرت أكثر من مرة.
وأذكر أنني تحدثت في مقالاتي مرات عدة عن أن الإرهاب لن ينتهي في تركيا حتى ولو نجحت منظمة حزب العمال الكردستاني في تحقيق هدفها وحصلت على شرعية لها، لأن محاولات تمييز العلويين بواسطة إرهاب جبهة التحرير الشعبي الثوري ستستمر بعدها.
بعد انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول حُلت جميع التنظيمات الإرهابية باستثناء تنظيمين هما: حزب العمال الكردستاني وجبهة التحرير الشعبي الثوري. لأنهما يعملان على تقسيم البلاد وتفتيتها اجتماعيا. وكلاهما مستعدان للتأثر من المؤثرات الخارجية. وإن مشاركة حزب الشعوب الديمقراطية في الانتخابات القادمة يشير إلى وجود خطتين اثنتين: في حال حصول هذا الحزب على الحد الأدنى من الأصوات وتمكنه من التمثيل في البرلمان سيعمل على تحقيق الحكم الذاتي لشرق الأناضول من خلال الاتفاق مع العدالة والتنمية. وإن لم يحصل على الحد الأدنى من الأصوات فإن أغلبية ما خسر هذا الحزب من النواب ستنتقل إلى حزب العدالة والتنمية وبالتالي سيشكل حزب العدالة والتنمية الحكومة بمفرده من جديد. وإن لم تتحقق جميع مطالب حزب الشعوب الديمقراطية والعمال الكردستاني فذلك يعني أنه قد يكون هنالك تمرد عام للأكراد. ولا أظن أبدا أن هناك شرط تخلي العمال الكردستاني عن السلاح في مباحثات جزيرة إيمرالي مع زعيم المنظمة السجين هناك عبد الله أوجلان.
وفي هذا الصدد أفاد إسماعيل حقي تكين الرئيس السابق لدائرة مخابرات رئاسة الأركان العامة في الجيش أن أوجلان ليس إلا ناطقا في هذه المباحثات فالخطط كلها واردة من الخارج.
وثمة مماطلة للشعب عن طريق إيهامه بأن هناك مثل هذا الشرط. فهذه المباحثات ومسيرة السلام عبارة عن مشاهد مسرحية لتطبيق اتفاقية أوسلو خطوة بخطوة ومن خلال إقناع الشعب بها تدريجيا.
وتحتوي هذه الاتفاقية على بند يفيد بإحلال قوة تابعة للأمم المتحدة في جنوب شرق الأناضول. وهذا يعني أنه إن حدث تمرد عام من الأكراد واشتباكات داخلية وتدخل الجيش فيها فإن الأمم المتحدة ستأتي إلى جنوب شرق الأناضول لإجراء استفتاء شعبي من أجل الحسم في المسألة الكردية.
وحول هذه المعادلات لابد من أن نأخذ في الحسبان النظام الرئاسي الذي يدعو له أردوغان دوما. فتصوروا أن أردوغان هو رئيس جمهورية يتشبث بالإفتراء الذي أثبت أنه ليس هناك حد أدنى لأسفل السافلين والذي اختلقته جريدة يني شفق الموالية له إذ ادعت أن الأستاذ كولن كان عضوا بالمحفل الماسوني في تركيا وحاول (أردوغان) ربط مقتل المدعي العام في تشاغلايان بذلك الافتراء. فهل مثل هذا الشخص يرغب في أن يواجه العسكر تمردا عموميا؟ ما رأيكم؟ وهل يستحق هذا الموضوع التفكير فيه؟
فحين تجري هذه الأحداث في جبهة العمال الكردستاني تأتي عملية قتل المدعي العام في تشاغلايان لتدل على مخطط تمييز وإقصاء العلويين (بعد الأكراد) من خلال إرهاب تنظيم جبهة التحرير الشعبي الثوري. بيد أنها كانت عملية فاشلة تشوبها شبهات كثيرة.
وكما هي الحال في القضية الكردية فليست هناك إجراءات للوصول إلى حل مسألة العلويين أيضا. بل على العكس تماما يتم تحريض العلويين على سلوك طرق مختلفة من جهة، ويُتركون ليكونوا عرضة للتأثيرات الإيرانية من جهة أخرى.
وليس لنا إلا الدعاء والخدمة والبصيرة إزاء هذه اللوحة المظلمة!..