(الجزء الأول)
مصطفى أديب يلماز
عندما يكون الحديث عن إيران نرى أن حكومة حزب العدالة والتنمية تظهر مواقف مذبذبة ومتناقضة. فنحن أمام أنواع مختلفة من الشخصيات التي ظهر بها أردوغان، فنرى أردوغاناً لا يتجنب إزعاج الغرب في سبيل دعم وإرضاء إيران، وأردوغاناً ثانياً يغضب طهران لدرجة أنه يجعلها تقول “سنضرب تركيا”. ونرى أردوغاناً ثالثاً لا يستطيع أن يعترض على إيران بالرغم من مقتل 200 ألف شخص في سوريا، ونرى من جانب آخر أردوغاناً رابعاً يدعو إيران مؤخرًا إلى “الانسحاب العسكري من المنطقة”، مما يكشف عن مد وجزر في المواقف من القضايا الإقليمية والدولية.
كان أردوغان قد امتدح إيران قبل 14 شهرًا بقوله “أشعر أنني في بيتي الثاني”، وكان يتجنب انتقادها بالرغم من الخلاف العميق فيما يتعلق بالقضية السورية بين أنقرة وطهران، غير أن موقفه منها تغير تمامًا بعدما اتهمها بـ”محاولة السيطرة على المنطقة” ودعاها إلى سحب قواتها ليس من اليمن فحسب بل من العراق وسوريا كذلك.
لقد كانت علاقات حكومة حزب العدالة والتنمية التي كان يديرها أردوغان فعليًا في الفترة ما بين عامي 2003 – 2014 بصفته رئيسًا للوزراء وبعد ذلك التاريخ بصفته رئيسًا للجمهورية بإيران مصدر فضول على الدوام. وكان الرأي العام العالمي قد انشغل لفترة طويلة بنجاح تركيا والبرازيل في إقناع طهران عام 2010 بالدخول في مفاوضات “التغير النووي” التي لم يدعهما الغرب، ومعارضتهما لمشروع القرار رقم 1929 الذي يفرض عقوبات إضافية على طهران في مجلس الأمن بالأمم المتحدة. وكان اعتراض أنقرة على العقوبات التي يدعمها حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) واشنطن ولندن وباريس قد جعل الناس تتساءل حول هوية “الشراكة” لدى أردوغان وحزب العدالة والتنمية. وقد استمرت أسئلة “تغيُّر المحور” لأكثر من عام. إلى أن رضيت تركيا بنصب نظام دفاع صاروخي لحلف الناتو على أراضيها لمواجهة أي تهديد خارجي وفي مقدمته الصواريخ الإيرانية. ولقد أغضبت حكومة حزب العدالة والتنمية طهران هذه المرة بعد أن “تصالحت” مع الغرب لدرجة أن بعض القادة رفيعي المستوى في إيران بدؤوا يطلقون تصريحات من قبيل “مستعدون لضرب تركيا”. وفي تلك الأثناء زادت نيران الحرب الدائرة في سوريا، وكانت إيران توفر جميع أنواع الدعم لنظام بشار الأسد الذي كان يقول أردوغان بشأنه “سيسقط لا محالة”.
في الوقت الذي استمرت فيه “الحرب بالوكالة” في سوريا، تغير رئيس الجمهورية في إيران؛ إذ وصل حسن روحاني إلى المنصب في أغسطس / آب 2013، وبدأ ينتهج أسلوب التفاوض مع الغرب بغرض التوصل إلى اتفاق على عكس سلفه أحمدي نجاد. وفي تلك الأثناء انتقل اهتمام الغرب في سوريا من نظام الأسد إلى أذرع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وبينما أصبحت إيران في ظل هذه الظروف بالنسبة للغرب “شريكًا محتملًا”، بدأ الغرب ينظر إلى إدارة أردوغان على أنها عامل يسهم في عدم استقرار المنطقة بعلاقاته المشبوهة. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أعرب عن هذا القلق لنظيره أردوغان بشكل مباشر خلال مباحثاتها في القصر الأبيض في شهر مايو / أيار 2013.
شهد صيف العام نفسه قلب نظام حكم الإخوان المسلمين في مصر بدعم خليجي، غير أن الولايات المتحدة لم تتخذ موقفاً حيال هذا التطور، كما تراجعت عن توجيه ضربة ضد نظام الأسد في اللحظات الأخيرة بعدما توصلت إلى اتفاق مع روسيا، لتضع حكومة أردوغان في “زاوية ضيقة” أو موقف محرج. فالسياسات الحالمة التي وضعها أردوغان بحسب حساباته الخاطئة أفضت في نهاية المطاف إلى عزلة “لا قيمة لها” على عكس ما تدّعيه الأوساط المقربة من حزب العدالة والتنمية كثيرًا!