ممتازر توركونه
السبب الوحيد للنزاع هو القائمة التي ستُسلَّم للجنة العليا للانتخابات في في 7 أبريل /نيسان، فقائمة من سيسلمها نائب رئيس حزب العدالة والتنمية المسؤول عن شؤون الانتخابات برفقة جيش من الحرس الخاص في حوالي الساعة 17:00 من ذلك اليوم؟
هل ستكون هي قائمة صاحب الفخامة أو قائمة رئيس الحزب رئيس الوزراء؟ فالتذرع بمسيرة السلام ومباحثات دولما بهشه ليس أقل سذاجة من التحجج بالسؤال “لماذا يوجد حاجب فوق عينك؟” فلماذا يعترض صاحب الفخامة على اجتماع كان يترأسه يالتشين أكدوغان الذي يمثله بشكل مباشر. وماذا تكون غايته يا ترى من إحراج الحكومة والحزب الحاكم في أكثر المشاكل خطورة على تركيا؟
يمكن لكم أن تجدوا سر نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في معادلة بسيطة يمكن تفسيرها بـ: “إذا كانت هناك أزمة فكبرها واجعلها تتفاقم وإن لم تكن هناك أزمة فأوجد أزمة تستطيع السيطرة عليها”. وهذا المنهج السياسي يلقي دائما بمسؤولية حل الأزمات على الطرف الآخر وغالبا ما تؤتي أكلها. فإن قرأتم تكتيك أردوغان في اعتراضه على اجتماع “دولمابهشه” بأنه “انتهاز فرصة من خلال إحداث أزمة” لتيسر لكم أن تعرفوا أن الصراع الحقيقي والأكبر يدور حول قوائم المرشحين للانتخابات. إذ أن الرسالة التي أرسلها بولنت أرينتش إلى صاحب الفخامة تفيد أنه كشف خطة أردوغان إذ قال “سنخوض الإنتخابات بعد شهرين وستستمر حكومتنا في أداء مهامها”. ومعنى ذلك أن هناك صراعا بين الحكومة وصاحب الفخامة حول من سيمسك بزمام الأمور في الفترة المقبلة.
ويمكن لكم أن تلخصوا ما يدور من حولكم في أنه أزمة “حكومة صاحب الفخامة”.
أردوغان يصر على تعريف انتخابات 7 يونيو/حزيران بأنها وسيلة لإضفاء الشرعية على النظام الرئاسي ويريد من الحكومة والحزب أن ينظروا إليها النظرة نفسها وأن يحذوا في ذلك حذوه. وفي نظره سيتم بعد الانتخابات تشكيل “مجلس نواب مؤسس” ستكون مهمته نقل تركيا إلى النظام الرئاسي حتى يحظى الوضع الراهن بدستور يصبغ الشرعية على تصرفات صاحب الفخامة التي تعتبر غير شرعية في الوقت الحاضر. وثمة سلسلة من الصعوبات أمام تحقيق هذا الطلب الشخصي لأردوغان. والسبب الحقيقي في إحداثه هذه الأزمة القائمة اليوم يكمن في “الوضع الفعلي” الراهن. وإن أردوغان يصرح بتصرفاته بأن النظام البرلماني معلق وسيبقى معلقا ريثما يتم تجهيز المستند الدستوري للوضع الراهن للانتقال إلى النظام الجديد أو النظام الرئاسي. إذن ماذا يعني الوضع الراهن أمام الدستور؟ ويمكن لكم أن تقولوا إن أردوغان يكون قد أعلن من دون وعي منه أنه لا يعترف بالدستور، ولا يلتزم به. فماذا كان يسمى من يستخدم صلاحيات ليس من حقه استخدامها من ناحية قانونية؟ يسمى ديكتاتور أي مستبد..
فإن رئيس الجمهورية يدعي وجود صلاحية في نفسه وليس في الدستور، ويرجح تعطيل النظام البرلماني أو تعليقه وأن يكون مستبدا، إذ أنه يحكم البلاد بنظام رئاسي دون أن يلتزم بالدستور. وأرينتش يرد على هذا الادعاء بالضبط. والجزء الأساسي من إجابة أرينتش هو التذكير بأن الحكومة مسؤولة تجاه البرلمان والشعب لا تجاه رئيس الجمهورية أي أن رئيس الجمهورية “لا مسؤولية له”. إذ يقول “نحن من سيدفع الثمن لا أنت”. فحين يقول “إن الحكومة هي التي تحكم البلاد” فإنه يريد أن يقول لأردوغان “ليس من صلاحياتك الدستورية أن تحكم البلاد”. ويجيب على فرضية “تعطيل النظام البرلماني أو تعليقه” بإفصاحه عن عدم اعترافه بـ”الوضع الراهن” ويذكر بذلك أردوغان أن “يلتزم بحدود صلاحياته الدستورية”.
تصريحات الحكومة على لسان أرينتش تشير إلى تفوقها على أردوغان مهنيا، فأرينتش دخل في سجال مع أردوغان وتحداه قائلا “لست وحدكَ من يصعّد الأزمة بل نحن أيضا نستطيع تصعيدها”.
إن الدعاية للنظام الرئاسي بناء على اجتماع دولمابهشه وحملة قائمة صاحب الفخامة قد ضرب أرينتش بهما عرض الحائط من خلال تصعيده للسجال. وبالتالي فإن أردوغان لم يعد بإمكانه تجهيز القائمة بمفرده. ومن المحتمل أن يعود في الاتجاه المعاكس كما يفعل في الأزمات التي يفتعلها ولا يحسن إدارتها. إذن القائمة النهائية لحزب العدالة والتنمية سيكون فيها شيء من نفوذ أردوغان لكنها ستحمل طابع داود أوغلو. وفي الوقت نفسه ستبقى فرضية الاستفتاء على النظام الرئاسي بعيدة عن محور الانتخابات.
لماذا؟. الجواب يكمن بين سطور ما قاله أرينتش. فإن داود أوغلو لا يمكن له أن يفوز في الانتخابات عبر القائمة التي يعدها أردوغان ولا يمكن له أن يستمر في مزاولة مهمته السياسية بنجاح بعد الانتخابات. ولا يمكن أن تُدار الحكومة والحزب عن بعد بجهاز تحكم في يد رئيس جمهورية ليس له مسؤولية قانونية.