محمد شتين جوليتش
يدعي رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن الانتقادات الموجَّهة للأداء الاقتصادي في البلاد تهدف إلى إسقاط حكومته.
لا شك في أن هذا هو الحد الأقصى للتضليل السياسي؟
وإذا كانت حكومة حزب العدالة والتنمية وصلت إلى درجة لا تستطيع معها حتى أن تطيق الانتقادات الموجَّهة إلى أدائها الاقتصادي، فهذا يعني أن هناك مشكلة حقيقية.
يجب أن نقول أولًا: الاقتصادات القوية لا يمكن هدمها بالانتقادات. هذا فضلًا عن أننا نعيش في هذا البلد، وتؤثر المشاكل الاقتصادية فينا جميعًا. ولهذا فإن الادعاء الذي يقول إن من ينتقدون الأداء الاقتصادي لتركيا يحاولون هدم بلدهم اقتصاديًا لا أساس له، وما هو إلا عبارة عن خطاب سياسي. وثانيا إن توجيه الانتقادات ليس جريمة.
أجرينا حوارًا حول الاقتصاد التركي مع الرئيس السابق لجمعية المراسلين الاقتصاديين ذو الفقار دوغان الذي يرشح نفسه في الانتخابات البرلمانية المقبلة عن حزب الشعب الجمهوري المعارض؛ إذ يستعد للاستفادة من خبرته في عالم السياسة.
يقول دوغان إن النقطة التي وصل إليها الاقتصاد التركي اليوم بعد 13 عامًا من حكم حزب العدالة والتنمية للبلاد يعتبر أخطر من تلك التي كان عليها قبل توليه الحكم عام 2002. ويؤكد هذه الفكرة بقوله: “يحاول رئيس الوزراء داود أوغلو بيع الأحلام من خلال البرامج والمخططات التي أعلنها أسبوعًا بعد أسبوع وتستهدف عام 2018 وما بعده. فما قدمه من وعود بشأن تجهيز العرائس وتوفير الشقق السكنية وتقديم هدايا ذهبية للأمهات اللائي يلدن ثلاثة أطفال كلها وعود خاوية لا أساس لها. وفي الواقع فإن دعم الدولة بنسبة 15% لمحدودي الدخل الذين يجمعون الأموال لسنوات من أجل شراء جهاز بناتهم أو شراء شقة سكنية، هو يخدع المواطن البسيط بوعد ادخار الأموال، ومن ثم استغلال هذه الأموال لمحاولة تعويض الاقتصاد الذي يعاني بسبب رؤوس الأموال التي بدأت بالهروب.
وكان حزب الوطن الأم قد طبق برنامج تشجيع العاملين على التوفير وكذلك برنامج دعم المواطن للحصول على شقق سكنية كنسخة سيئة من هذا المشروع. نجد أن رئيس الجمهورية أردوغان يدخل في جدل حاد مع رئيس البنك المركزي بشأن الفوائد، لكن أليس حزب العدالة والتنمية هو الذي طبق على مدار 13 عامًا سياسات الفوائد والعملات الأجنبية التي وصفها بخيانة الوطن؟”.
ويلفت دوغان انتباهنا إلى التقلبات التي أصابت سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة التركية بقوله:
“ارتفع سعر صرف الدولار في تركيا إلى 2.6 ليرة بتأثير الخلاف القائم بين القصر الجمهوري والبنك المركزي، الأمر الذي أفضى إلى إفلاس خطة الحكومة متوسطة الأجل التي كانت تستهدف تراجع سعر الدولار إلى 2.29 ليرة وتحقيق دخل قومي بقيمة 850 مليار دولار. لكن الآن وصل سعر الدولار إلى 2.6 ليرة، ما أدى إلى انخفاض الدخل القومي من 850 إلى 680 مليار دولار، وبالتالي تراجع نصيب الفرد من هذا الدخل من 10 آلاف و290 دولار إلى 8 آلاف و800 دولار، وهذا يعني أن المواطن التركي افتقر بمعدل 1500 دولار”.
“تخطى معدل البطالة حاجز 10.9%، فيما يرتفع هذا الرقم بين الشباب إلى أكثر من 20%. وفي عهد حزب العدالة والتنمية ارتفع عدد مليارديري الدولار. كما وصل عدد الفقراء وغير الخاضعين للتأمين الاجتماعي إلى 20 مليون شخص. كما وصل عدد المواطنين الذين يتابَعون قانونيًا بسبب ديون البطاقات الائتمانية إلى 4 ملايين شخص. كما بدأت البنوك تسترد القروض مبكرًا، هذا فضلًا عن أن الإنتاج الصناعي واستغلال القدرات تراجع إلى أقل مستوى في آخر 4 أعوام. والأجانب يأخذون أموالهم ويهربون من تركيا. كما باع مصرف سيتي بنك أسهمه في مصرف آك بنك. كما يستعد مصرف HSBC لمغادرة البلاد. ويبيع المصرف الوطني اليوناني أسهمه في مصرف فينانس بنك. فالثقة في الاقتصاد والسياسة والحكومة والقضاء والعدل في تركيا وصلت إلى أقل مستوياتها. ولا أتذكر أي فترة وصلت فيها الضغوط والتشاؤم إلى هذا المعدل الكبير على مدار حياتي المهنية الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود”.
حسنًا، ماذا ينبغي فعله؟
يعتقد دوغان أن “اقتصاد السوق الاجتماعي” سيكون هو وسيلة إنقاذ تركيا. كما يقترح إعطاء الأولوية للمشاريع التكنولوجية، وضخ الدولة للاستثمارات بأولوية في مناطق شرق وجنوب شرق ووسط الأناضول والبحر الأسود، ونشر فكرة تأسيس النقابات، وزيادة المساعدات الاجتماعية، وإعفاء الحد الأدنى من الأجور من الضرائب بالكامل، وإسقاط ديون المزارعين والحرفيين والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم تحفيزات جديدة للاستثمار، وإلغاء نصيب المساهمات في قطاع الصحة.
ينتقد ذو الفقار دوغان الاقتصاد التركي، فهل يمكن يا ترى أن يكون هو الآخر يجهز مؤامرة ضد الحكومة؟