علي يورطاجول
أصدرت المحكمة الدستورية في ألمانيا يوم الجمعة الماضي قرارًا بشأن الحجاب. واتضح بفضل هذا القرار الوتيرة القانونية التي بدأتها معلمتان ضد حظر دخولهما الفصل بالحجاب.
وكانت المحكمة الدستورية تناولت هذه القضية عام 2003 لكنها تجنبت إصدار قرار نهائي. أما هذا القرار فيقضي بأنه لايمكن حظر الحجاب حتى من خلال القانون.
ومع أن القرار ترك الباب مفتوحًا أمام فرض حظر على الحجاب في الظروف الخاصة التي يفرضها الأمن العام أو نظام المدرسة والنظام العام، فإنه -في الواقع – أزال الحواجز أمام حرية ارتداء الحجاب. ولهذا السبب فإننا نعتقد أن القرار يتمتع بأهمية تاريخية على مستوى أوروبا، وأنه سيؤثر في وجهة نظر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وسائر المحاكم الأخرى إزاء هذه القضية الشائكة. وكذلك فإن القرار يمتلك بعدًا حاضنًا لسكان ألمانيا المسلمين الذين يبلغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة ينحدر معظمهم من أصول تركية. ويمكننا أن نقول إن الحجاب صار رمزًا دينيًا طبيعيا “لا حرج فيه” في ألمانيا مثل الصليب لدى النصارى.
لا تعتبر ألمانيا دولة “علمانية” تنفصل فيها الدولة عن الدين بالمعني الكلاسيكي كما هو معتقد. فالدستور الألماني يفرض على الدولة ضمان حرية العقيدة لدى المواطنين وممارستهم لشعائرهم الدينية. غير أن الدولة ملزمة بالوقوف على مسافة واحدة من جميع المعتقدات في أثناء تأدية هذه المسؤولية. ويجب على الدولة ألا تميز أية مجموعة دينية مهما كان تأثيرها الاجتماعي، كما أنها ملزمة بتأدية المهمة نفسها إزاء أصغر المجموعات الدينينة في المجتمع.
بالرغم من حدوث بعض المشاكل في أثناء تطبيق هذه المادة من الدستور، فإن القرار الأخير الذي أصدرته المحكمة الدستورية يثبت أن الدولة قطعت مسافة كبيرة في مسألة دمج المسلمين بالمجتمع الألماني. فالدولة التي تجمع الضرائب للكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية كأنها تعمل كـ”مصلحة ضرائب” للكنائس. ولأن هذا النظام محروم من هيكل مركزي، أي أن المسلمين لا يعرفون لأجل من تجمع الدولة الضرائب، فإنهم أعفوا في الوقت الحالي من دفع هذا النوع من الضرائب.
وكأنني أرى أن ذهنكم انتقل إلى التفكير في تركيا “العلمانية” بينما تقرؤون هذه السطور التي تتحدث عن ألمانيا “غير العلمانية”. وكما تعلمون فإن الدولة في تركيا “العلمانية” ليست محايدة. ففي الوقت الذي تراقب فيه الحكومة التركية الإسلام السني بميزانية تقارب ميزانية وزارة التربية والتعليم ومئات الآلاف من كوادر رئاسة الشؤون الدينية، فإنها تتجاهل الجماعات الدينية الأخرى، حتى أنها تقصيهم.
لا شك في أن أحد مساوئ حكم حزب العدالة والتنمية المستمر في تركيا منذ 13 عامًا هو إجبار أهل السنة على استماع خطب الجمعة التي يتم إعدادها وتوزيعها من مصدر واحد (هيئة الشؤون الدينية) وتعرض أصحاب المعتقدات الدينية الأخرى للتمييز والممارسات القمعية. ولقد جعل الحزب قضيتي حرية ارتداء الحجاب والاعتقاد قضيتين سياسيتين أساسيتين، ولا ريب في أن وجهة نظر الحزب تجاه المعتقدات والحريات منحرف كما نراه على أرض الواقع ويعتبر ذلك بالنسبة لنا أكبر خيبة أمل في هذا الحزب.
على أية حال، لننظر إلى أصل القرار الصادر في ألمانيا قبل أن نضيع في مستنقع “الحرية” الخاصة في حزب العدالة والتنمية. فعقب القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية عام 2003، أعدت عدد من الولايات حظر ارتداء الحجاب وحددته في إطار القانون. وقد انتقلت القضية مرة ثانية إلى المحكمة الدستورية لأن طلبات المحكمة اتخذت من قوانين الولايات وتطبيقاتها سالفة الذكر موضوعًا في السنوات الأخيرة، واضطرت المحكمة الدستورية لتناول هذه القضية بشكل كامل. ويعتبر القرار الذي اتخذته المحكمة بناء على هذه التطورات ينير دربنا من جهات عديدة.
كانت المحكمة الدستورية في ألمانيا قد أشارت في قرارها الصادر عام 2003 إلى أن قضية الحجاب ليست رسالة سياسية في حد ذاتها. لكن هذا القرار ساهم في ارتداء الفتيات المسلمات الحجاب وفق عقيدتهن الدينية. ويمكننا أن نقول إن الحجاب بهذه الخاصية قد أُدخل ضمن الحقوق الأساسية في سياق حرية الاعتقاد التي يكفلها الدستوري الألماني. أضف إلى ذلك أن هذا القرار يثبت أن المسلمين بدؤوا يتقدمون في طريقهم ليكونوا مجموعة دينية بارزة في المجتمع الألماني مثل النصارى واليهود.
علينا ألا نبالغ في تناول مسألة ترك الباب مفتوحًا أمام حظر ارتداء الحجاب في الظروف الخاصة أو الاستثنائية. ولأن المحاكم في ألمانيا حساسة فيما يتعلق بتفسير الحقوق الأساسية، فلا يمكن استخدام عبارة “الخاصة” أو “الاستثنائية” بشكل تعسفي كما هو الحال في تركيا. وآمل أن تكون لدينا في تركيا يومًا ما سلطة حاكمة تحترم المحكمة الدستورية وقراراتها.