بقلم: عمر نور الدين
كالعادة تبين خطأ الحسابات لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفريقه المعاون وإعلامه الموالي في تقدير موقف السعودية تجاه مصر واعتباره موقفا قائما على دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين.
لذلك كان التهليل والتطبيل الأجوف والصياح في إعلام أردوغان وحزب العدالة والتنمية قبيل زيارته للسعودية في مطلع مارس/ آذار الجاري والتي تزامنت مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إذ، ومن منظور أيدلوجي شديد الضيق تبارت وسائل الإعلام ومركز البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (سيتا) ،أحد أذرع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، إلى الإفراط في الحديث عن تحول في موقف السعودية تجاه مصر بعد رحيل المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبد الله بن عبد العزيز وتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، واعتبروا أن المملكة ستوقف كل أوجه دعمها لمصر بل ستدير ظهرها لها وستفتح ذراعيها لتركيا.. وبالطبع هذا الأفق الضيق يتجاهل حقائق التاريخ والواقع والمنطق السياسي.
واستمر هذا النهج السقيم من التفكير حتى مابعد عودة أردوغان من زيارته ليكتب أحد المقربين منه وهو كمال أوزتورك المدير السابق لوكالة أنباء الأناضول قائلا:” إن مبادرة أردوغان المبكرة للسعودية تسببت بسحب الملك الجديد “سلمان” دعمه لـ” انقلاب” مصر، وتحسين العلاقات بين أقوى دولتين في الشرق الأوسط، وعمل اتفاق بينهما، وستزداد العلاقات ترابطاً بعد الزيارة التي سيقوم بها الملك سلمان إلى تركيا. وهذا الإتفاق سيكون سبباً لإعادة مصر وإيران وروسيا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا النظر في جميع حملاتهم؛ إذ يعني أن جميع الدول التابعة لهذه الدول أي قطر والإمارات والكويت والأردن والبحرين والكثير من دول أفريقيا ستعيد النظر في علاقاتها، فمن الطبيعي أن نتيجة هذا هي تغيرات جدية في منتصف ساحة الشطرنج”.
ومع انعقاد مؤتمر مصر الاقتصادي في شرم الشيخ بدا أن الرئيس التركي ومن حوله من أمثال هؤلاء الصحفيين وبالطبع السياسيين والمستشارين لايفقهون شيئا عن لعبة الشطرنج في المنطقة، بل لايفقهون شيئا عن حقائق التاريخ والجغرافيا والسياسة في المنطقة، كما أكد ذلك من قبل الدبلوماسي التركي المخضرم يشار ياكيش الذي عمل سفيرا لتركيا في مصر لسنوات طويلة وكان أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية لكن أحدا لايبدو راغبا في الاستماع إلى آرائه حول كيفية التعامل مع المنطقة العربية والشرق الأوسط.
كانت السعودية من البداية هي صاحبة فكرة انعقاد مؤتمر دعم الاقتصاد والتنمية في مصر، الذي عقد في شرم الشيخ يوم الجمعة الماضي واختتم أعماله أمس وتابعت عملية الإعداد والتحضير الدقيق له من خلال وزير ماليتها الدكتور إبراهيم العساف، وجاءت مشاركة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير مقرن بن عبد العزيز وكلمته في المؤتمر وما أعلنت السعودية عن تقديمه لدعم الاقتصاد المصري (مبلغ 4 مليارات دولار) وتأكيده على مساندة المملكة العربية السعودية لمصر في مواجهة الإرهاب، تأكيدا صريحا لرؤية أنقرة تجاه مواقف المملكة.
وما حدث في مؤتمر شرم الشيخ بعد ذلك كان درسا قاسيا لتركيا أردوغان، فقد بدا أن مواقف الدول الخليجية تجاه مصر لم تكن دعما لما يسميه أردوغان وأتباعه للانقلاب العسكري في مصر، بل كانت دعما لمصر التي هي قوة العرب وصمام أمانهم وظهرهم ومنعتهم والوديعة التي استودعها الأجداد والآباء في الخليج في ضمائر وعقول وقلوب أبنائهم، كما بدا من كلمات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات حاكم دبي عن وصية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان بمصر وقوله إنه بغير مصر لن تقوم للأمة العربية قائمة وأن مصر لاتستغني عن أمتها العربية، وصية لاتختلف عن وديعة مؤسس المملكة العربية السعودية الأول الملك عبد العزيز لأبنائه بالتمسك بمصر والحفاظ عليها قوية لأن انهيارها يعنى انهيارا للعرب أجمعين.
حقائق شرم الشيخ
إذن فحقائق التاريخ تقول إنه لا أمة عربية بدون مصر ولا مصر بدون أمتها العربية، وبالتالي فما تقوم به دول الخليج وفي مقدمتها السعودية ليس من قبيل دعم السيسي في مواجهة جماعة لاتمثل في تعدادها رقما يذكر في تعداد الشعب المصري الذي يتجاوز التسعين مليونا، ولا صدقة أو إحسانا على مصر وإنما هو موقف مبدئي، وفي جوهره هو تقوية لحصن العرب وقوتهم.
أما حقائق الجغرافيا فعبر عنها العرب أيضا في شرم الشيخ إذ حضروا جميعا حتى قطر التي تبدو مارقة على وحدة الصف العربي وتضامنه مع مصر في ظل الظروف الحرجة في المنطقة كانت حاضرة في المؤتمر حتى وإن كان حضورها رمزيا وبعيدا عن الاهتمام، فيما كان أميرها تميم يجلس في هذا الوقت في إسطنبول مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يوم الجمعة خلال افتتاح مؤتمر شرم الشيخ، بعد أن التقى أردوغان يوم الخميس، يرقبان فشلا كان يتخيله البعض للمؤتمر، فإذا بالعالم كله يأتي إلى شرم الشيخ وإذا بمصر تعلن للعالم أجمع أنها تستعيد عافيتها من قلب سيناء التي يحاول الإرهاب أن يجعلها نقطة ملتهبة وجرحا غائرا في الجسد المصري الوثاب.
هذا عن حقائق التاريخ والجغرافيا، فماذا تقول حقائق السياسة؟
تقول هذه الحقائق إن السعودية ودول الخليج وكذلك جميع دول العالم والمنظمات والهيئات الدولية التي شاركت في مؤتمر شرم الشيخ، الذي ضمن لمصر استثمارات تجاوزت الستين مليار دولار، في مفاجأة أذهلت الخبراء والمحللين الذين كانت أقصى توقعاتهم تشير إلى أن المؤتمر سيجمع بالكاد 15 مليار دولار، فضلا عن إطلاق المشروع العملاق للعاصمة الإدارية الجديدة لمصر بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة والذي سيغير وجه مصر، وكذلك عودة النشاط السياحي بعد أن تأكد للعالم أجمع من خلال الحضور في شرم الشيخ أن مصر دولة قوية لايهزها الإرهاب.. كل هذه الحقائق أثبتت أن مصر تعود لقيادة منطقتها العربية ولدورها الفاعل إقليميا ودوليا.. وأثبتت أيضا أنه لا عزاء للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلا قرع الإعلام الأجوف من حوله وتصريحاته التي تبدو عجيبة في بعض الأحيان عن العزلة القيمة التي اختارتها تركيا بنفسها أو التي فرضت عليها بسبب غيرة حكام العالم منه وحسدهم له وأن هذا أمر لايهمه.
سيلفي مع الرئيس
لم تكن هناك حاجة لانتظار تحليلات وتخمينات حول نتائج مؤتمر شرم الشيخ فقد بانت نتائجه واضحة وصريحة منذ يومه الأول عبر التضامن العربي مع مصر وتوالت عبر الصفقات والمشروعات والاستثمارات التي عبرت عن رغبتها في العمل في مصر من خلال عقود موثقة سيجرى تنفيذها فورا بفضل قانون الاستثمار الجديد الذي صادق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل مؤتمر شرم الشيخ بساعات.
وكان من السهل جدا قراءة نتائج المؤتمر في الكلمة التي ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي في ختامه حيث لمعت فرحة نجاح المؤتمر في عينيه ودفعته لكسر البرتوكولات واستدعاء شباب الجامعات الذين شاركوا في تنظيم المؤتمر ليلتقطوا معه صورة” سيلفي” بكاميرا التليفون المحمول في سابقة هي الأولى التي تحدث من رئيس مصري في مثل هذا المحفل الدولي.
الـ” سيلفي” مع السيسي لم يكن مجرد صورة وإنما كان معناه أن مصر المستقبل قادمة وأن هؤلاء الشباب هم الذين سيكونون في الصورة غدا..
لعل أردوغان وفريقه من معتنقي أيدلوجيته يتخلصون، بعدما شاهدوا ما حدث في مؤتمر شرم الشيخ، من نظرتهم الضيقة ليروا حقائق ما يجري في المنطقة وما يجري في مصر.. بل وما يجري في تركيا أيضا..