سلجوق جولطاشلي
إن بلادنا التي وصفها نوري بيلجيه جيلان بقوله “بلادي المنفردة والجميلة” تشهد تحالفا وقحا بين الانقلابيين والسارقين كما حدث في عهد انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997.
ولو لا الصحفي أحمد ألطان، ولو لم يكتب محمد بارانصو، هل كان بإمكان أردوغان تقوية سلطته إلى هذه الدرجة وهو الذي ما زال يعمل على كسب الأصوات الانتخابية من خلال مناداته بـ”الإرادة الوطنية”؟
وإن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له بلد ما هو الاتفاق بين الانقلابيين واللصوص تحت ستار أكذوبة “إنقاذ الوطن” وما يزيد الأمر سوءا هو أن يقوم تحالف الانقلابيين واللصوص بشراء الصحف والقنوات التلفزيونية من أجل خداع الشعب ولو لمدة محدودة.
وفي حين يسرق الانقلابي الإرادة الوطنية يسرق اللص الثروة الوطنية، وثمة انسجام وتكافل عظيمان بينهما من أجل التستر على الجرائم. وفي هذه المرحلة يحتاج كل منهما للآخر، وكل منهما يعدُّ جزءا متمما للآخر في تشكيل الإنسان الآلي “فولترون” (حارس الفضاء، كما كان في أحد أفلام الرسوم المتحركة).
وكانت تركيا قد عاشت حالة نجاح “فولترون” منذ وقت ليس طويلا في 28 فبراير/ شباط. حيث دخلت البلاد في أكبر أزمة اقتصادية حين أطاح الانقلابيون بالراحل أربكان. حيث أفلست عشرات البنوك بسبب الاختلاسات. فالانقلابيون كانوا ينظفون البلد من التيارات الدينية والسارقون كانوا يسرقون البلاد بهدوء.
ومع كل يوم يمضي يتحقق جزء من الشعور بحلول مرحلة كهذه.
ومن سخرية القدر أن حزب العدالة والتنمية الذي وصل إلى السلطة بعد الانهيار الاقتصادي الذي أعقب انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 أصبح هو نفسه يرتع في مستنقع الفساد ويتعاون مع الانقلابيين متنكرا لشخصيته. ونكرر عبارة نوري بيلجيه جيلان: “بلادي المنفردة والجميلة” تعيش هذا التحالف الوقح مرة ثانيةً.
وإن الحكومة التي قبض على بعض أعضائها متلبسا بالجرم المشهود في 17 ديسمبر/كانون الأول، ربطت قضايا الانقلاب بمؤامرة معقدة لتثبت أن عمليات الفساد ما هي إلا مؤامرة وخداع أيضا. وادعت أن العصابة البارعة التي حولت الجنرالات “الديمقراطيين” في ليلية واحدة إلى انقلابيين ألصقت تهمة الفساد بحزب العدالة والتنمية لتشويه صورتها. وبالتالي كان يجب على كل من يحب الوطن – الانقلابيون واللصوص – أن يتحدوا لمواجهة هذه العصابة وأن يوقنوا بأن الكيان الموازي أخطر من تنظيم العمال الكردستاني، ولذلك كان عليهم أن يتعاونوا للقضاء عليه.
ومنذ مدة تم البدء بجني ثمار هذا التعاون. ففي الأسبوع الماضي اعتُقل محمد بارانصو الذي كانت الحكومة تعتبره بطلا والذي اعتُقل 5 مرات قبل هذه المرة. وإن سبب اعتقاله سبب سخيف كالذي اعتُقل من أجله هدايت كاراجا مدير مجموعة سامان يولو الإعلامية. فالسبب الوحيد للزج به خلف القضبان هو وجود اتفاق بين الانقلابيين واللصوص كما كتب عنه أحمد ألطان في مقاله الأسبوع الماضي.
أنا لا أعرف ألطان أو بارانصو شخصيا، وتحدثت مرة مع كل واحد منهما عبر الهاتف. لكنني أعتبرهما بطلين. إذ لم يتجرأ أحد على أن يكتب عن الخطط الانقلابية التي يعرفها أردوغان أكثر من أي واحد منا جميعا، لكنه ينكرها اليوم لينجو بنفسه من ادعاءات الفساد سوى صحفي شجاع مثل محمد بارانصو وصحيفة طرف التي يديرها أحمد ألطان. وهل كان بإمكان الإعلام الموالي المدافع عن أكاذيب السلطة الحاكمة اليوم أن ينشر صفحة واحدة عن الخطط الانقلابية لولا صحيفة طرف التي بدأت بنشر ذلك.
ولولا أحمد ألطان ولو لم يكتب محمد بارانصو أكان بإمكان أردوغان تقوية سلطته وتحكيم حكومته إلى هذه الدرجة وهو الذي ما زال يعمل على كسب الأصوات الانتخابية من خلال مناداته بالإرادة الوطنية؟
سيصبح أمثال أحمد ألطان ومحمد بارانصو شخصيات تاريخية عندما تعود تركيا إلى الديمقراطية لأنهما قاوما الوصاية العسكرية. ولكن كيف سيُذكر أردوغان؟
ثمة إشارات ودلالات، ومنذ بضعة أيام نشرت وكالة أنباء أسوشيتدبرس (Associated Press) تحليلا للوضع التركي وصفت فيه أردوغان بالزعيم العظيم. وهذه الصفة قد تم استحداثها لوصف زعماء الحزب الشيوعي الصيني، أما الآن فهذه الصفة تُطلق على الديكتاتوريين والزعماء المستبدين في الدول الشيوعية، مثل زعيم كوريا الشمالية كيم يونج أون الذي انطبقت هذه الصفة عليه في السنوات الأخيرة.
أصبح أردوغان يُذكر في أوروبا بين الديكتاتوريين في هذه المرحلة التي يتعاون فيها الانقلابيون واللصوص. كما أن وصف رئيس الجمهورية أردوغان بالزعيم العظيم في أهم وكالات الأنباء العالمية يكفي لوصف الطريق التي تسلكها البلاد.