شاهين ألباي
لماذا اعتُقل الصحفي محمد بارانصو وزُجّ به في السجن؟ دعوني أشرح لكم سبب هذا. في شهر مارس/ آذار عام 2003 عقد بعض جنرالات الجيش التركي اجتماعًا بمقر قيادة الجيش الأول في إسطنبول تحت مسمى “ندوة التخطيط” ووضعوا مخططات لتنفيذ انقلاب عسكري يستهدف إسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية التي كانت قد وصلت إلى سدة الحكم قبل أشهر قليلة.
قال رئيس المخابرات التركية آنذاك شينكال آتاساجون في مايو/ آيار عام 2003 لمسؤولي صحيفة” جمهوريت” إلهان سلجوق وإبراهيم يلديز ومصطفى بالباي ما يلي: “تأتينا بلاغات مهمة من إسطنبول، كل شيئ جاهز في قيادة الجيش الأول، فالجنرالات يستعدون لتنفيذ انقلاب…”، واقترح عليهم التعرّف إلى رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال حلمي أوزكوك الذي كان معارضًا لتنفيذ الانقلاب. وقد دوّن مصطفى بالباي (النائب حاليًا بالبرلمان عن حزب الشعب الجمهوري المعارض) هذه المعلومات في يومياته.
وفي المحادثات المسجلة في “ندوة التخطيط” جرى شرح ماذا كان سيتم لو نجح الانقلاب: “الوحدات العسكرية مستعدة، سنسيطر على إسطنبول ونضع أيدينا على السلطة. سيجري تغيير رؤساء البلديات والعاملين في المؤسسات الحكومية، وسيعتقلون. وسيكون تدخلًا عنيفًا. ولن نترك شيئًا إلا وسنفعله، فلن نرحم أحدًا…”.
فشلت مساعي الانقلاب، وفي السنوات التالية حدثت نقاشات حادة بين رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال حلمي أوزكوك وقائد القوات البرية آنذاك الجنرال آيتاج يالمان حول مَنْ حال دون تنفيذ الانقلاب.
كان الصحفي محمد بارانصو قد نشر خبرًا في صحيفة” طرف” في شهر يناير/ كانون الثاني عام 2010 يتناول الوثائق المسربة من الجيش التركي حول محاولة الانقلاب التي أُطلق عليها “المطرقة”. وقد عُثر على نسخ الوثائق التي سلّمها بارانصور إلى النيابة العامة داخل حجرة سرية بمقر قيادة الأسطول في منطقة جولجوك شرق إسطنبول خلال عملية تفتيش جرت في إطار تحقيق آخر تم في يناير/ كانون الثاني عام 2011. وانتهت الدعوى المرفوعة في سبتمبر/ أيلول عام 2012. وحوكم 361 متهمًا، وفي مقدمتهم الجنرال المتقاعد شتين دوغان، بتهمة “المحاولة الفاشلة لإسقاط حكومة الجمهورية التركية”. وصدرت أحكام تراوحت بين 6 و 20 عامًا بحق 325 ضابطًا متقاعدًا وعاملًا بعد ثبوت التهمة بحقهم. وصادقت المحكمة العليا على الأحكام الصادرة بحق 237 متهمًا في سبتمبر/ أيلول عام 2013 بعدما رأت كفاية الأدلة التي اعتبرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان خطيرة.
ادعى المتهمون في قضية “المطرقة” ومحاموهم وجبهة أنصار الوصاية العسكرية أن هذه الأدلة ملفَّقة. كما أصبحت الدعوى موضوعًا للانتقادات بسبب اعتقال عدد كبير من المتهمين الذين لهم صلة بالقضية أو الذين لاصلة لهم بها، وتحوُّل فترات الاعتقال الطويلة إلى عقوبات فعلية وانتهاك حقوق الدفاع الخاصة بالمتهمين. وقد أصدرت المحكمة الدستورية قرارًا بإعادة محاكمة المتهمين في يونيو/ حزيران عام 2014 بناء على طلب تقدم به المتهمون، ومن ثم أُخلي سبيلهم.
عقب الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة الكبرى يومي 17 و 25 ديسمبر/ كانون الأول عام 2013، زعم كبير مستشاري رئيس الوزراء النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية يالتشين أكدوغان (نائب رئيس الوزراء حاليا) أن “الجيش الوطني التركي تعرَّض لمؤامرة”، (على أيدي الكيان الموازي) بالضبط كما يروّج أنصار الوصاية العسكرية. ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الادعاء هو الخطاب المشترك بين حزب العدالة والتنمية وأنصار الوصاية العسكرية. وبعد إتمام عملية التستر على تحقيقات الفساد الأخيرة، اعتقلوا الصحفي بارانصو لأنه فعل ما يمليه عليه ضميره وأخلاقيات العمل الصحفي فنشر خبرًا يتناول وثائق مخطط انقلاب “المطرقة”، وذلك بتهمة “إفشاء سر من أسرار الدولة”. وذلك على الرغم من أن بارانصو تعرّض لمحاكمةٍ قبل 5 سنوات عن التهمة عينها وصدر لصالحه قرار بعدم الملاحقة.
حسنًا، ما معنى كل هذا؟ يعتبر الصحفي أحمد ألطان أفضل من أوضح هذا؛ إذ قال: “منذ متى يجري وصف مخططات الانقلاب بـ”الوثائق المتعلقة بأمن الدولة” و”المعلومات الخاصة بالدولة التي يجب المحافظة عليها”؟ منذ أن تعاون اللصوص والانقلابيون معًا من أجل أن ينجوا بأنفسهم من الملاحقة القانونية… عندما بدأت الحكومة، التي ضُبطت وهي تمارس الفساد، بارتكاب جرائم أكبر من السرقة التي ارتكبتها لكي تنقذ نفسها، قررت طلب الدعم من الانقلابيين الذين لم يتورّعوا عن الاحتماء برجال يعرفون أنهم لصوص دون الشعور بالخجل، وذلك بعدما سيطر عليهم الخوف الشديد بسبب الكشف عن مخططاتهم الانقلابية. ويحاول الطرفان أن يلقيا بالتهمة على من كشفوا جرائمهما”. (صحيفة جمهوريت 3/3/2015)