لاله كمال
في الوقت الذي يقترب فيه موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في تركيا في شهر يونيو/ حزيران المقبل، قامت بعض شركات بحوث استطلاع الرأي التي تجس نبض الشارع بعملية توجيه خاطئة، ونشرت ادعاءات تظهر أن نسبة الأصوات التي من المتوقع أن يحصل عليها حزب العدالة والتنمية الحاكم ستكون مرتفعة.
ويتحدثون عن الشبهات القوية التي ترد حول تلاعب الحزب الحاكم بنتائج التصويت وتحويلها لصالحه. وبالرغم من هذين الاحتمالين، فإن نسبة الأصوات التي من المتوقع أن يحصدها حزب العدالة والتنمية مرتفعة مقارنة بما سيحصده باقي الأحزاب.
لكن الأمر الحاسم في هذه المسألة هو احتمال زيادة عدد المقاعد البرلمانية للحزب الحاكم، وإن لم يرفع نسبة الأصوات التي سيحصل عليها، والتي من المتوقع أن تكون في حدود 42%. ويحمل هذا التطور خطر حصول الحزب الحاكم على أغلبية الأصوات بواقع 367 صوتًا لإقرار نظام الحكم الرئاسي الذي سيزيد من توجُّهات الحزب الاستبدادية.
يعتبر حزب الشعوب الديمقراطية (الكردي) الحزبَ الوحيد الذي يمكن أن يحول دون وقوع هذه الكارثة. بيد أن الحزب اتخذ قرارًا بخوض غمار الانتخابات كحزب قائم بذاته وليس من خلال المرشحين المستقلين، الأمر الذي يعتبر أكثر السيناريوهات خطرًا بسبب خطورة احتمال عدم تمكنه من تخطي حاجز العشرة بالمائة من الأصوات لدخول البرلمان كحزب. وكان مراد جيزيجي، صاحب شركة جيزيري للدراسات التي شنت الشرطة المالية حملة ضدها بحجة أنها أجرت دراسة أظهرت أو توقعت حصول حزب العدالة والتنمية على 39% من الأصوات في الانتخابات المقبلة، قد أكّد في مقال له نشرته صحيفة” طرف” أنه في حالة عدم تخطي حزب الشعوب الديمقراطية حاجز العشرة بالمائة من الأصوات لدخول البرلمان، فإن حزب العدالة والتنمية سيزيد كثيرًا من عدد المقاعد التي سيفوز بها، وإن قلّت نسبة الأصوات التي سيحصل عليها.
لاشك في أن تعثُّر حزب الشعوب الديمقراطية في دخول البرلمان بسبب حاجز العشرة بالمائة سيضمن لحزب العدالة والتنمية تفوقًا واضحًا، لاسيما وأن الحزب الحاكم يعتبر الحزب المفضَّل في محافظات شرق وجنوب شرق الأناضول التي يشكِّل الأكراد أغلبية سكانها.
ونذكّركم بأن حزب الشعوب الديمقراطية يأتي في المرتبة الثانية في هذه المنطقة التي لا يظهر فيها لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية المعارضين أي حضور فعال.
وكنت قد كتبت في مقال سابق أن حزب العدالة والتنمية يقوم بعملية “مغازلة انتخابية” مع حزب” الهدى” الذي يتعاطف معه الأكراد المتدينون.
وفي الوقت الذي تقترب فيه الانتخابات يكمن وراء تصريحات حزب العدالة والتنمية التي تطالب بإصرار حزب العمال الكردستاني بـ”ترك السلاح” استراتيجية إعادة كسب الطبقة القومية المؤيدة للحزب بعد أن ظنت أن الحكومة خسرت أرض ضريح سليمان شاه لصالح تنظيم داعش، كما أكد ذلك مراد جيزيجي.
وحزب العدالة والتنمية يعرف أيضاً هذه الحقيقة جيدًا، وهي أن حل مشكلة الإرهاب دون اللجوء إلى السلاح، أي بالوسائل السياسية، يستلزم الانتقال إلى مرحلة التفاوض كأمر طبيعي بينما تجري مطالبة الطرف المقابل بإصرار بترك السلاح. وكانت وتيرة نزع سلاح الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) قد استمرت لثماني سنوات بشكل موازٍ للمفاوضات.
ومن ناحية أخرى، فإن حزب الشعوب الديمقراطية يراهن بشكل كبير ويصر على خوض الانتخابات ككيان حزبي مستقل يمكن أن يعترض طريقه نحو البرلمان حاجز العشرة بالمائة من الأصوات (الحد النسبي للتمثيل في البرلمان، في حين أن بإمكانه خوض الانتخابات بمرشحين مستقلين يستطيعون تخطي هذا الحاجز.
وكان حزب الشعوب الديمقراطية قد كسب ثقة الناخب اليساري بالأصوات التي حصل عليها منه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت صيف العام الماضي وخاضها عن الحزب رئيسه المشارك صلاح الدين دميرطاش، وأصبح الحزب يتحدى الأحزاب الأخرى، ويقول: “امنحونا أصواتكم في الانتخابات ما دام لديكم خوف من عدم قدرتنا على تخطي حاجز دخول البرلمان”.
يبدو أن هذا التحدي الذي دخله حزب الشعوب الديمقراطية يلقى استجابة في الشارع منذ الآن، وإن لم يكن من الواضح إلى أي مدى ينعكس على استطلاعات الرأي. ونجد ناخبي حزب الشعب الجمهوري التقليديين في أنقرة يقدّمون النصح لمن سواهم بقولهم: “لا نريد أن يرفع حزب العدالة والتنمية عدد مقاعده في البرلمان، ولهذا امنحوا أصواتكم إلى حزب الشعوب الديمقراطية”. أو إذا كان يعتزم أحدهم التصويت لصالح حزب الشعب الجمهوري، يوصون الآخر بالتصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطية.
أليس الأمر مأساويًا؟ ففي الوقت الذي كان فيه الناخبون حتى وقت قريب يمنحون أصواتهم إلى حزب الشعب الجمهوري، حتى وإن لم يكونوا راضين عنه، لكي لا تذهب أصواتهم إلى الحزب الحاكم، نراهم اليوم يستعدون للإدلاء بأصواتهم لصالح حزب الشعوب الديمقراطية خوفًا من فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية الأصوات، مع أنهم يصفونه بصاحب “الأجندة الكردية”.
نرى أن أغلب الناخبين في تركيا سيصوتون في الانتخابات المقبلة بشكل غير واعٍ وهم تسيطر عليهم المخاوف، فليس هناك طلب على الديمقراطية. وعندما يكون الأمر كذلك، فلن يستطيع حزب الشعب الجمهوري، الذي يعتبر أكبر أحزاب المعارضة التي من المفترض أنها نصف السلطة في الدول الديمقراطية، أن يخرج من قوقعته. ولا شك في أنه لا يزال هناك وقت لإقامة كيان جديد يستطيع أن يقود هذه الجماهير.