بقلم: علي بولاج
يقال إن العلاقات التركية – الإسرائيلية تشهد “أزمة حقيقية” منذ سقوط 10 شهداء أتراك في الهجوم على سفينة” مرمرة الزرقاء” أواسط عام 2010. غير أن العلاقات التجارية والاقتصادية لا تشهد أي نوع من أنواع الأزمات.
وتشير الإحصائيات إلى أن حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل ارتفع من 4 مليارات و22 مليون دولار عام 2011 إلى 4 مليارات و858 مليون دولار عام 2013 ،ويرى رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية في مدينة إزمير التركية أكرم دميرطاش أن “تركيا تعتبر من أهم 10 شركاء اقتصاديين لإسرائيل”.
وتأتي تركيا في المركز الخامس بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في تصدير المنتجات إلى إسرائيل، وفي المرتبة السادسة في استقبال الواردات الإسرائيلية، وتصدر تركيا إلى إسرائيل الأطعمة والمنتجات الميكانيكية ووسائل التكنولوجيا الحديثة، حيث تشتري إسرائيل من تركيا منتجات قطاعات البلاستيك والمطاط والنسيج والخرسانة والسيراميك وآلات الزجاج والسيارات.
وكان نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينتش صرح عقب بدء الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة بقوله إن العلاقات التجارية مع إسرائيل مستمرة ولا يمكن قطعها.
وإذا حللنا المعطيات التي يصدرها معهد الإحصاء التركي، نجد أن تركيا توفر المعدات العسكرية التي تستخدمها إسرائيل في الحرب؛ إذ استوردت هذه الأخيرة أسلحة وذخيرة من تركيا منذ عام 2010 بقيمة إجمالية بلغت نحو 11 مليون دولار.
لقد اكتسبت إسرائيل قيمة أخرى كبيرة، بعدما أصبحت سوريا على ما هي عليه الآن، وفي تلك الأثناء تبحر السفن العملاقة من ميناء إسكندرون جنوب تركيا متجهة إلى ميناء حيفا الإسرائيلي، لتنقل الشاحنات التجارية التركية وتوصلها بذلك إلى البلدان العربية.
ويقول مسؤول بشركة نقل بضائع إسرائيلية يدعى جوزيف تاراباني: “لقد فتحت أمامنا الأزمة السورية طرقًا جديدة، فالسائقون الأتراك بإمكانهم نقل بضائعهم من تركيا إلى الأردن عبر أراضينا، وكانوا فيما مضى يقومون بذلك عبر سوريا”، وتدفع تركيا جزءًا من رسوم شحن هذه البضائع.
وكانت هيئة صناعة الآلات والكيمياء التركية قد أرسلت خطابًا إلى الغرفة التجارية البحرية بتاريخ 3 سبتمبر / أيلول 2013 قالت فيه إن هناك شحنة مكونة من 31 ألفا و508 قطع ذخيرة دبابات عيار 120 مم موزعة على 6 أماكن مختلفة ستنقل داخل حاويتين إحداهما مقاس 20 والأخرى مقاس 40، وإنها فتحت مناقصة من أجل إتمام هذه المهمة، لكن انتشرت مزاعم عقب واقعة سفينة” مرمرة الزرقاء” تقول إن اتفاقيات شراء الأسلحة من إسرائيل قد توقفت، وأعلنت مستشارية الصناعات الدفاعية الوطنية التركية في أبريل / نيسان 2011 أن تركيا امتنعت عن استيراد الأسلحة من إسرائيل، هذا في الوقت الذي قال فيه رئيس دائرة الدفاع الأجنبية الإسرائيلية العميد شيمايا أفيلي قبل فترة قصيرة: “إن صادرات إسرائيل إلى تركيا من الأسلحة لم تتوقف في أي وقت من الأوقات، وهي مستمرة في إطار حماية مصالح دولة إسرائيل، وإذا نظرنا إلى الإحصائيات نجد أن صادراتنا من الأسلحة إلى تركيا لم تنعدم أبدًا، وقد تلقينا طلبات شراء جديدة من تركيا، ونحن بصدد مناقشتها في الوقت الراهن”.
الأمر لا يقتصر على هذا فقط؛ إذ لا يخفى على أحد أن النفط المنقول إلى تركيا من كردستان العراق، بالرغم من اعتراض حكومة بغداد المركزية، يعبأ على ظهر سفن من الموانئ التركية ليباع إلى إسرائيل بطريقة غير مباشرة، ولا تكذب رئاسة الوزراء التركية صحة الأنباء التي تتحدث عن بيع نفط شمال العراق إلى إسرائيل بهذه الطريقة، فضلًا عن أن صحيفة” شالوم” ،المملوكة للجمعية اليهودية التركية، كتبت في خبر، استنادا إلى صحيفة” يديعوت أحرونوت”، إن براق نجل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لا يزال يتاجر مع إسرائيل.
وقالت الصحيفة إن السفينة” زغفران 1″ العملاقة، البالغ طولها 95 مترًا والمملوكة لبراق، تنقل البضائع بشكل متبادل بين موانئ تركيا وميناء أسدود الإسرائيلي.
ومن المعروف أن السفن المملوكة لبراق ،نجل رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان،قد ترددت مرات عديدة على موانئ إسرائيل ومصر عقب نشر هذا الخبر. (راجعوا الخبر الذي نشره موقع روتا خبر التركي يوم 22 يوليو / تموز 2015)
ففي الوقت الذي تقتل فيه إسرائيل إخواننا في قطاع غزة، لا تقطع فيه الحكومة التركية علاقاتها التجارية مع تل أبيب، ولكنها تخرج علينا فقط لتنتقد هذه المجازر وتصف إسرائيل بالدولة الإرهابية، ويتحدث البعض في الوقت الحالي عن مقاطعة البضائع الإسرائيلية، ونعرف جميعًا أن مسألة المقاطعة ليست مؤثرة منذ أزمة الكاريكاتير مع الدنمارك ومجازر إسرائيل السابقة في غزة، وكذلك فإن المقاطعة العامة مليئة بالمشاكل، وأن القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تطبق سياسات مقاطعة ظالمة على الدول الإسلامية في كثير من الأحيان، ولا يخفى على أحد المعاناة التي عاشتها إيران والعراق بسبب هذه المقاطعة، بحيث فارق مئات الآلاف من الأطفال الحياة في العراق بسبب نقص الغذاء والدواء، وتحوّل قطاع غزة منذ سنوات إلى معسكر مغلق.
إن علماء المسلمين لا يجيزون المقاطعة بالجملة، كما لا يمكن تطبيق مبدأ المقاطعة حتى في حالة الحرب إذا ما خُشي على الناس خطر المعاناة من الجوع، ويرى الإمام أبو حنيفة أن بيع مواد تستخدم في إنتاج السلاح إلى أولئك الذين يحاربهم المسلمون حرام شرعًا، وتقول الآية 126 من سورة البقرة إنه لا يمكن معاقبة الناس بتركهم جوعى.
وإذا كان الأمر كذلك، فإذا كانت التجارة مع إسرائيل ستستمر فيجب، على الأقل، ألا تكون بتزويدها بالأسلحة والذخيرة والنفط، كما ينبغي للجمعيات التي تنظيم مظاهرات مناهضة لممارسات إسرائيل أن تطالب الحكومة التركية بالإقدام، على الأقل، على هذه الخطوة!