بقلم: عمر نور الدين
عاد موسم الانتخابات في تركيا.. إذن عاد موسم الكذب الكبير فاطرح جانبا كل شيئ فلا حديث عن فساد أو سرقة أو رشوة ولا عن أي شأن آخر فالوقت ليس إلا وقتا للأكاذيب الكبيرة والتطاول وتوزيع الإهانات على المنافسين لسحقهم حتى يبقى حزب العدالة والتنمية متصدرا المشهد السياسي الذي لم يغب عنه منذ قرابة 13 عاما.
هل تعتقدون أنهم سيتخلون بسهولة عن مواقعهم الحصينة التي تضمن لهم مزيدا من الامتيازات، وتبقى لهم أطنان الحليب التي تدرها البقرة الكبيرة (تركيا) ليبقوا منعمين في حياة القصور والترف بينما بدأ قطاع عريض جدا من الشعب التركي يشعر بوطأة الوضع الاقتصادي المتراجع ويكتوي بنيران الغلاء وانعدام فرص العمل التي أصبحت قاصرة على ذوي الحظوة والمقربين من الحزب الحاكم ومحاسيبه؟
إن ما وصلوا إليه اليوم يستحق منهم الدفاع عنه بكل شراسة بعد أن كانوا بالأمس يرتدون ثوب الحمل الضعيف ويظهرون كالحمائم التي ترتعد مما يحيط بها من صقور، لكنهم الآن تمكنوا ودانت لهم تركيا، وهناك قطيع من البسطاء والمنتفعين وأصحاب المصالح يسمع منهم فقط ولايرى، يسير خلفهم معصوب العينين يصدقهم حتى لو قالوا إن الشمس تشرق من الغرب.
هم ماضون في إغراق تركيا بالأكاذيب الكبيرة وتزداد حميتهم وتنفتح شهيتهم لالتهام العقول البائسة مع اقتراب موعد الانتخابات، فهي المحفل الذي يظهر فيه قائدهم كالأسد الهثور الذي ينهش لحم معارضيه ويقطعهم إربا على مرأى ومسمع من جمهور الدهماء المصفقين لديماجوجيته الأسطورية.. في نظرهم طبعا!
ليس غريبا أن تسمعه الآن يقول إن كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري ، أكبر أحزاب المعارضة، ومعه دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية ثاني أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، لايصلحان حتى لحراسة مبنى تحت الإنشاء أي لا يصلح كل منهما لأن يكون خفيرا على المباني.. لقد وصل إلى حالة التقمص التي تزداد وتتصاعد وتسخن كلما صفقت الجماهير.
وإذا كانت القاعدة تقول: ” إلعب بما تغلب به” فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو أفضل من يطبقها وافضل من حولها إلى قاعدة ذهبية لكسب أصوات الناخبين وإبقاء حزب العدالة والتنمية على رأس السلطة ويستغلها الآن لحصد الأصوات في الانتخابات القادمة وتنفيذ مشروعه لتغيير النظام في تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي لينفرد بزعامة تركيا التي يحلم بها.
ومن الطبيعي في مثل هذه الأوقات أن تصنع الأكاذيب الكبيرة للنيل بها من الأهداف التي صممها أردوغان بعناية فائقة في سعيه للفوز بالضربة القاضية وهي أهداف تقليدية في جانب منها هو الجانب الذي يتعلق بأحزاب المعارضة التي يسعى للقضاء على كل فرصة لها والذي يشعر بأنها بدأت تتحرك نحو زعزعة أرضيته وتضييق فرص العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة التي تبدو مفصلية والتي تكتسب أهمية كبيرة أيضا في مشروع أردوغان الشخصي لتصميم تركيا الجديدة.
وهناك هدف آخر يصب أردوغان كل أكاذيبه وافتراءاته عليه منذ أكثر من عام وبعد الكشف عن فضائح الفساد والرشوة التي هزت تركيا في ديسمبر/ كانون الأول 2013، وهو حركة الخدمة والمفكر الإسلامي فتح الله كولن الذي تستلهم الحركة فكره، والذي يتمتع بمكانة مرموقة ليس في العالم الإسلامي فحسب، وإنما في أنحاء العالم بأفكاره القائمة على التسامح والأخوة وهي الأفكار التي جعلت لتركيا رصيدا كبيرا واعتبارا وسمعة ومكانة على مستوى العالم يجري إهدارها جميعا الآن تحت زعم العزلة القيمة التي هي في الحقيقة عزلة مقيتة أرجعها أردوغان إلى غيرة زعماء العالم منه وحسدهم له.
من الطبيعي جدا أن يحاول إعلام الحكومة وأردوغان إلصاق الأكاذيب الكبيرة والافتراءات الضخمة بثوب الأستاذ كولن في هذا الوقت وأن يتمادوا في استغفال الشعب التركي بالقول إن الرجل دبر لمحاولة اغتيال سمية ابنة أردوغان ليبدو أردوغان في صورة المظلوم المستهدف، وحتى تستمر اللعبة التي أفلحت معهم فدائما ما كانوا يكسبون عن طريق استثارة نزوع الشعب التركي إلى نصرة المظلوم.
لكننا نرى اليوم أن المظلوم، أو من كان يحاول أن يظهر في هذا المظهر الضعيف يتحول إلى ظالم شرس لا يتورع عن ظلم من وقفوا بجانبه، ويروج الأكاذيب الكبيرة بحقهم حتى وإن كان كذبا لا يصدق على غرار كذبة محاولة اغتيال سمية أردوغان أو كذبة الانتصار على داعش في موقعة ضريح سليمان شاه التي هي في حقيقة الأمر نكسة لتركيا التي تخلت بكل بساطة عن أرض الضريح وهي أرض تركية في حلب لتفر منها أمام تنظيم إرهابي استطاع أن يهز تركيا أردوغان الجديدة ويجبرها على التخلي عن ميراث أجدادها، وبينما يتغنون بالنصر الساحق على الإرهاب ويحاولون تسويقه للشعب التركي على أنه فخر وعزة وكرامة كانت الحكومة الليبية تصدر قرارا بوقف التعامل مع شركات تركيا بسبب تدخلها في شؤون ليبيا الداخلية وتحديدا بسبب مواقف الرئيس رجب طيب أردوغان والدعم االمقدم للمجموعات الإرهابية هناك.
إنهم لا يرون كل ذلك فهم لاهم لهم إلا الاستمرار في لعبة الكذب التي تكبر يوما بعد يوم والتي لاهدف لها إلا استغفال الشعب التركي حتى يبقيهم في السلطة من جديد، لكن ما لا يعلمونه أنه حتى وإن كان هناك من يسير وراءهم معصوب العينين، فهناك من لاينخدع بالأكاذيب مهما كبر حجمها.