أنقرة (زمان عربي) – أبدت أحزاب المعارضة التركية رد فعل عنيف تجاه العملية التي نفذتها القوات المسلّحة التركية الليلة قبل الماضية لإجلاء جنودها الذين يقومون بحراسة ضريح “سليمان شاه” في حلب والذي يعتبر رمزا من رموز الحضارة التركية لكونه جد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية.
ووصفت أحزاب المعارضة العملية التي تركت فيها الحكومة جزءا من أرض الوطن لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي “داعش” بعد نقل الرفات وإجلاء الجنود من الضريح الذي يعد الأرض الوحيدة لتركيا خارج حدودها بـ “الفضيحة” مطالبين رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بتقديم استقالته. كما لاقت محاولة مسؤولي الحزب الحاكم تقديم وصمة العار، التي أقدموا عليها، على أنها نصر عظيم ردود فعل من قبل الرأي العام وأصبحت موضوع سخرية بينهم.
وعلّق كمال كليتشدارأوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، على هذه العملية قائلا: “إن الدولة القوية ليست تلك الدولة التي تترك أراضيها من دون أية مواجهة إنما تتجلى قوتها وأصالتها في تلقينها الدروس والعبر للإرهابيين. كما أن محاولة عرض الحكومة هدم مركز الشرطة الخاص بها وسحب جنودها من هناك وتركها أراضيها وكأنه نصر يدل على أن هذه العملية مدروسة بين الحكومة والتنظيم”، على حد وصفه.
وقال دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية، ثاني أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، إن تركيا عاشت تخاذلا وجبنا في هذه العملية بعدما تركت ضريح سليمان شاه الذي يعد رقعة مقدسة من الوطن وقسم شرطة “التوقيري” الموجود هناك. كما أن رئيس الوزراء ومعاونيه الذين يصفون هذا التخاذل وهذا الجبن باسـم “عملية الشاه فرات” حوّلوا رموز وتقاليد الدولة إلى خرابة مهدّمة بعدما قاموا بتدمير تلك الرموز.
وأوضح أرتوغرول جوناي النائب البرلماني المستقل عن مدينة إزمير، غرب البلاد، أن تركيا تفقد للمرة الأولى قطعة من أراضيها منذ معاهدة لوزان التي تم توقيعها في 24 يوليو/ تموز 1923 حتى يومنا هذا. كما أن فقدان تركيا لهذه الأرض يظهر بوضوح إفلاس سياسة تركيا تجاه سوريا والادعاءات الضخمة التي لا أساس لها، وهو ما عبّرت عنه قبل ثلاث سنوات وقلت في الهيئات الرسمية إن سياسة حكومة العدالة والتنمية خاطئة تجاه سوريا.
ووصف جورسل تكين الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري العملية بأنها ليست عملية “الشاه” والانتصار كما يُزعم بل أشبه بعملية “مات الملك” دلالة على هزيمة تركيا. وأضاف: “للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية البالغ 90 عاما نخسر أراضينا دون أي حرب”.
وقال بيرول أيدين نائب رئيس حزب السعادة موجهًا كلامه إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “ألم تقل بأنك ستصلي في ظرف ثلاثة أشهر في الجامع الأموي وستتناول وجبة الإفطار في الشام (دمشق)؟ إن الحكومة التي تحلم بأنها ستصلي في الجامع الأموي تركت أراضيها وتخلت عنها بسبب سياسات الخضوع للغرب، والأنكى من ذلك هو محاولتها إظهار هذه العملية على أنها بطولة ونصر”.
وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو زعم أنَّ عملية “ضريح سليمان شاه” تكللت بالنجاح، بعد نقل الرفات والجنود الأتراك الذين يحرسون الضريح إلى داخل الأراضي التركية، تمهيدًا لنقل الرفات مجددًا إلى قرية “آشمة” السورية غرب مدينة عين العرب (كوباني).
وأضاف داود أوغلو في مؤتمر صحفي عقد أمس في مقر رئاسة هيئة الأركان التركية بالعاصمة أنقرة، أنَّ قطعة أرض مجاورة لقرية “آشمة” وضعت تحت سيطرة الجيش التركي، وتمَّ رفع العلم التركي عليها، قائلًا إنَّ عملية ضريح شاه سليمان بدأت في تمام الساعة التاسعة من مساء يوم أمس(السبت) (بتوقيت تركيا) بدخول 39 دبابة، و57 عربة مدرعة، و100 آلية، و572 جنديًا، ووصلت إلى الضريح في حدود الساعة 00:30 بعد منتصف الليل، وتزامن ذلك مع توجه قوة عسكرية أخرى إلى قرية “آشمة” تمهيدًا لنقل الرفات إليها.
ولفت داود أوغلو إلى استشهاد جندي تركي في العملية بسبب ما قال إنه حادث عرضي، مؤكدًا عدم حدوث أي اشتباكات خلال العملية. وقال: “تمَّ تدمير جميع المباني التي كانت موجودة في مكان الضريح، بعد نقل جميع الأمانات ذات القيمة المعنوية العالية، وذلك لقطع الطريق أمام أي محاولة إساءة استغلال المكان”.
وأردف داود أوغلو أنَّ قرار العملية اتخذ في أنقرة في إطار القواعد القانونية، دون طلب إذن أو مساعدة من أي جهة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى إخطار قوات التحالف الدولي، والجيش السوري الحر بالعملية، لتفادي وقوع أي ضحايا بين المدنيين، وأخذ العمليات الجوية لقوات التحالف، بعين الاعتبار.
وقال إن “عملية انسحاب آخر جندي تركي من منطقة ضريح “سليمان شاه”، تمت في الساعة 04:45 صباحًا (أمس الأحد) بتوقيت أنقرة، ووصلت أول مجموعة من الجنود الأتراك إلى أرض الوطن في حدود الساعة 06:03 صباحًا، ليعقبها وصول بقية المجموعات، باستثناء مجموعة صغيرة بقيت في الأراضي السورية”.
وتنص “اتفاقية أنقرة” التي أبرمت بين مجلس الأمة التركي (البرلمان)، والحكومة الفرنسية المنتدبة على سوريا، في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1921، والتي أنهت الحرب بين الجانبين وأفضت إلى تبادل الأسرى، أنَّ منطقة ضريح “سليمان شاه” -الذي كان في قلعة جعبر قبل أن تغمر بمياه بحيرة الثورة نتيجة إقامة سد الفرات (الطبقة) عام 1973- هي أرض تركية (جيب تركي شمال سوريا يحتوي على ضريح يحرسه جنود أتراك).
وكان النظام السوري اعتبر التدخل التركي من أجل نقل الضريح “عدوانا سافرا على الأراضي السورية”، بينما قال رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية خالد خوجة في مؤتمر صحفي إن العملية تمت بعلم الائتلاف وبالتنسيق مع الجيش السوري الحر.