علي بولاج
لماذا الصلح خير؟ خلال البحث عن إجابة لهذا السؤال تنير دربنا الآيتان 34 – 128 من سورة النساء، وهما آيتان تتحدثان عن “نشوز” المرأة والرجل.
تطلق كلمة “نشوز” على إهمال الزوجة مهامها المتعلقة بزوجها وبيتها، ولجوئها إلى تصرفات غير مناسبة تتسبب في حدوث غيرة جنسية لدى زوجها، ورفضها أن يجامعها دون عذر، ومعاملتها له ولعائلته بطريقة غير محترمة. وإذا وقع من الزوجة هذا الفعل يمكن لزوجها أن يفرض عليها عقوبة بصفته “قوّامًا” عليها، وهي صفة تحتم عليه أن يلعب دور المسؤول المراقب وليس لأنه يمتلك قوة بدنية تفوق قوتها.
وتتناول الآية 128 من سورة النساء “نشوز الرجل”؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى: ” وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ”.
أما “خوف المرأة من نشوز زوجها” فهو ألا يؤدِي الزوج مسؤوليته تجاهها، ويتصرف تصرفات توقظ مشاعر الغيرة الجنسية لديها أو إهماله في أداء مهامه الزوجية تجاهها، أو معاملتها وأهلها بشكل غير مناسب وما إلى ذلك. ويمكن أن نقول إن هذه الحالة لها مراحل عدة نذكرها على النحو التالي:
1- يخبر الزوج زوجته بأنه لايعجب ببعض خصائصها البدنية أو الشخصية، ويحتقرها، ويسخر من بعض جوانبها وتصرفاتها، ويضرّ بشخصيتها.
2- يرتبط الزوج بعلاقات غلا ملائمة مع نساء أخريات، وإن لم تكن في نيته أن يزني، ويعيش بشكل حميم معهن، ويؤسس علاقات صداقة تربطه بهن بالطريقة التي لاتعجب زوجته، ولايقضي الوقت الكافي معها، ويبتعد عنها.
3- يبدأ الزوج بإيذاء زوجته، ويضربها، ويستخدم معها العنف، ويبدأ بمعاملتها معاملة خشنة، ولايلبي احتياجاتها المشروعة، ولايؤدي مسوؤلياته تجاهها.
4- يسعى للزواج مرة ثانية بشكل يخالف العهد المنصوص عليه في عقد الزواج، ويرجّح زوجته الثانية عليها، ويهملها ولايمنحها الحب والاهتمام اللازمين.
يتحتّم على الزوج الولاء لزوجته التي يربطه بها عقد زواج. ويجب أن يحمي شخصيتها وشرفها وكبرياءها، ويولي اهتمامًا كبيرًا بالقيم الإنسانية لديها. وينبغي له ألا يأتي بتصرفات تقلّل من قيمتها. وإذا كان لايعجب بها، يجب عليه أن يصارحها بذلك ليبحثا معًا عن طريق للخلاص.
ربما لاتنتهي كل واقعة يكون فيها نشوز بالتوافق عن طريق التراضي. ويحدّثنا الله في الآية عن “الإعراض” بشكل مختلف عن “النشوز”، والإعراض يعني إهمال الرجل لزوجته دون حدوث شجار أو التسبب في إيذائها بدنيًا أو ما إلى ذلك، وتصريحه عن كراهيته وعدم إعجابه بها بطرق غير مباشرة أو سعيه للتعبير عن هذا الأمر بهذه الطريقة، وهو ما تربطه علاقة بالموضوع الذي نتناوله في مقالنا اليوم.
وفي هذه الحالة، بما أن الزوجة لن تستطيع أن تصلح الزوج من خلال استخدام القوة البدنية؛ إذ إن هناك عددًا قليلًا جدًا من النساء اللاتي يقدرن على فعل هذا، فإنه يحق لها أن تعبّر عن عدم رضاها وظلم زوجها لها أمام الحكّام. وحينها يتناول الحكّام الذين يتجمعون من عائلة كل من الزوج والزوجة، أو القضاة المسؤولين، الموضوعَ بكل تفاصيله، ويناقشونه بشكل جاد ومفصَّل، ويحاولون في بادئ الأمر الإصلاح بين الزوجين. وتحقيق الصلح بينهما وحماية بيتهما من الانهيار لهو خير عظيم، ولهذا قال الله “والصلح خير”.
إذا كانت هذه الآية قد نزلت لتتناول مسألة الشقاق بين الزوجين، فإن حُكمها عام ومطلق. أي أنه إذا وقع خلاف بين الزوج وزوجته أو بين شخصيْن آخرين، فإنه يجب محاولة إصلاح هذا الخلاف من خلال “السلام”، والسعي للإصلاح ذات البين، ليعم السلام والصلاح الحياة البشرية والاجتماعية. هذا فضلًا عن أنه قيل: “الصلح سيد الأحكام”.
والسلام خير بصفة عامة بغض النظر عن أنه يظهر في حالات الخلاف والشقاق المؤكدة في إطار الموضوع الخاص الذي أشارت إليه الآية. أي أنه إذا اتخذ الزوجان قرارًا نهائيًا فيما بينهما بشأن عدم قدرتهما على العيش معًا، وإذا توصّل الحكّام إلى هذه النتيجة، فإن الحكّام يفصلون بين الزوجين دون إطالة أو إلحاق ضرر أو ألم بأحدهما أو كليهما، ولهذا يعتبر إنهاء وحدة الأسرة شكلًا آخر من أشكال السلام.
لكن للأسف فإن المسلمين اليوم لايتصرفون وفق قواعد دينهم ولايطبقون أحكامه كما ينبغي. وإذا استطعنا التصرف وفق حكم هذه الآية، سواء في جرائم قتل النساء أو الخلاف بين حكومة حزب العدالة والتنمية وحركة الخدمة، سنستطيع حل الخلافات بسهولة. ولكن للأسف فإن من يشعر بأنه قوي يريد القضاء على الآخر تمامًا.