محمد كاميش
لنقلها مرة ثانية: إن ما نعيشه اليوم في بلدنا تركيا هو نقاش يدور حول الوجهة التي تسير نحوها تركيا. فهل الأنسب أن نتجه نحو الشرق أم الغرب؟
إياكم أن تنخدعوا باسم الاتجاهين. فلايعني الشرق الطريقة الإسلامية، ولا الغرب يعني الطريقة غير الإسلامية، فربما تكون الحقيقة عكس ذلك تمامًا. ولهذا السبب فأنا على قناعة تامة بأن الوجهة الصحيحة لتركيا يجب أن تكون نحو الغرب وليس الشرق. فلايمكن بأي حال أن نطلق وصف” الإسلامي” على المفهوم الشرقي في الحكم الذي لايستند إلى المبادئ، ويضع الفرد في المركز، والذي يعتمد على محاولة البقاء على سدة الحكم مهما كلّف الأمر. فالمفهوم الإسلامي في الحكم هو الذي يقوم على رعاية القانون والحقوق والعدل.
كان الغرب يعرَف في العالم الإسلامي دائمًا بأنه مصدر الخمر والمتع والترف، وكان معنى الغرب عند المسلمين هو تبرج النساء. وقد وضعنا نحن المسلمين الغرب بأسره في هذا الإطار، وحكمنا عليه ألا يخرج منه أبدًا. بيد أن نظام الحكم في الغرب قد قطع شوطًا طويلًا فيما يتعلق بمفهومي الشفافية والعدل في الإدارة العامة، وهي مفاهيم يوليها الإسلام اهتمامًا كبيرًا. ولم يكن من الخطأ أن نقول إن الغرب متقدم كثيرًا عن الشرق فيما يتعلق بنظام الحكم العادل المستند إلى القانون.
لا يمكن أن نرى في كثير من الدول الشرقية تقريبًا اليوم مفهوم إدارة الدولة وموقف الحاكم إزاء المال العام الذي كان سائدًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. فالدول الغربية تدار من خلال مفاهيم أكثر إسلامية عما هو عليه في الشرق. فلايمكن لأي مسؤول في الغرب البقاء في منصبه بعدما شاع أنه أساء استغلال سلطته أو تورط في فضيحة فساد أو رشوة. وإذا كان هناك مسؤول وجهت إليه هذه الاتهامات، فإنه يؤثر الاستقالة من منصبه بنفسه دون الحاجة إلى أن تمارَس عليه ضغوط من أجل تبرئة ذمته.
ولايسعى المسؤولون في الدول الغربية إلى البقاء في السلطة وتعليق العمل بجميع المبادئ القانونية مهما كلّف الأمر. وإذا لم يستقل مَن استغل صلاحياته من أجل تحقيق مصالح شخصية من تلقاء نفسه، فإن القانون يتدخل هذه المرة ليحاسبه باسم الشعب.
تفضِّل حكومة حزب العدالة والتنمية والمفهوم الذي تتبناه تفسير الأحداث من خلال رغبتها في البقاء في السلطة وليس من خلال المبادئ. فبدلًا عن أن يتحدثوا عن الجزء الخاص بالمبادئ فيما يتعلق بفضيحة الفساد والرشوة التي كُشف عنها يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013 ويتناولوا وضع هذه الواقعة في إطار الدين والقانون فإنهم بدأوا يروّجون لفكرة أن هناك “كيانًا موازيًا” يسعى للانقلاب على حكومتهم.
وهم يسعون بهذه الطريقة لتوضيح اتهامات الفساد. وحتى إن فكرنا ولو للحظة واحدة، أن هذا الأمر صحيح، فلم يكن هذا ما يفترَض أن يكون. ولنتذكر على سبيل المثال حادثة الإفك التي حدثت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنبي لم يبد رد فعل غاضب إزاء من افتروا على السيدة عائشة رضي الله عنها، بل انتظر كشف ملابسات الواقعة. لنقُل إن يومي 17 و 25 ديسمبر 2013 شهدا محاولة انقلاب على حكومة حزب العدالة والتنمية، فكانت أول مهمة تقع على عاتق الحكومة في هذا المقام هي انتظار أن يتولى القانون تأدية مهامه بشكل عادل، والسعي لكشف ملابسات الأحداث. وهذا هو التصرف الذي كان يجب على أي مسلم أن يقدِم عليه في مثل هذه الحالات. لكن الحزب الحاكم فعل ما هو عكس ذلك تمامًا.
لقد أفضى هذا التصرف إلى نتيجة انهيار مفهوم الإسلام السياسي الذي يهتم بالشكل أكثر من المضمون، وهو كيان مبني على الرموز الفارغة فقط. وقد انهار هذا المفهوم الخاوي مع هبوب رياح ضعيفة. ورأينا بهذه الطريقة أنه لايوجد مقابل في الحياة العملية للشعارات التي يصدح بها السياسيون في الميادين الانتخابية والمنصات.
لقد ازدادت ادعاءات الفساد والرشوة إلى مستوى لم يشاهَد مثله منذ قيام الجمهورية في تركيا في عهد حكومة حزب لايفتر عن الحديث عن الرموز الدينية في خطابه السياسي.
كما وصل الظلم والتجرُّد من المبادئ والاعتداء على حقوق الآخرين وأموالهم إلى قمته تجاه المعارضين بشكل لايتوافق أبدًا مع روح الإسلام.
إننا ننظر إلى ما نعيشه ونفهم جيدًا أن ما حاول حزب العدالة والتنمية إقناعنا به هو نظام البعث (الاستبداد) الشرقي الظالم الذي ليست له أدنى علاقة بالإسلام ومبادئه.