عبد الحميد بيليجي
عندما طالعت الصحف الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية ورأيتها تنشر على صدر صفحاتها الأولى التصريح الذي أدلى به الرئيس رجب طيب أردوغان في أثناء عودته من زيارته إلى المكسيك حين قال: “لا أهتم بعزلة تركيا على المستوى الدولي” فكرت في الوضع الذي آلت إليه تركيا واعتصر الألم قلبي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان الإعلام العالمي يصفق لتركيا ولمن يحكمونها عندما كانت تتقدم في طريق الديمقراطية والقانون. وكانت صحف عالمية مثل لوموند ونيويورك تايمز وذا جارديان وفاينانشال تايمز تعتبر من أكبر داعمي حزب العدالة والتنمية. لكن هذا التأييد انقطع بعدما ابتعدت تركيا عن الديمقراطية، وبدأت الحكومة تقمع الصحفيين المستقلين[/box][/one_third]ذلك أن أردوغان كان من بين الأسماء الأكثر شعبية على مستوى العالم في الوقت الذي كانت فيه تركيا تتقدم نحو أن تكون دولة ديمقراطية يسودها القانون وتطوّر علاقات جيدة مع العالمين الإسلامي والغربي. وكان أردوغان يتمتع بمكانة كبيرة ليس في عواصم الشرق الأوسط فقط، بل كذلك في العواصم الغربية. ولهذا السبب كانت تركيا أولى محطات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخارجية بعدما تولي الحكم في الولايات المتحدة، كما كان أردوغان يأتي على رأس أكثر الزعماء الذين يتواصل معهم دائمًا.
كان الإعلام العالمي يصفق لتركيا ولمن يحكمونها عندما كانت تتقدم في طريق الديمقراطية والقانون. وكانت صحف عالمية مثل لوموند ونيويورك تايمز وذا جارديان وفاينانشال تايمز تعتبر من أكبر داعمي حزب العدالة والتنمية. وعندما نشرت المؤسسة العسكرية بيانًا تحذيرياً لحكومة العدالة والتنمية في منتصف ليلة 27 أبريل / نيسان عام 2007، رفضت صحيفة ذا جارديان مخاوف الأوساط العلمانية، وكتبت: “يعتبر أردوغان واحدًا من رائدي مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني جعْل تركيا تسير وفق معايير الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بحقوق الإنسان”.
وكما أن صحيفة” زمان” وسائر وسائل الإعلام الديمقراطية في تركيا وقفت في وجه المحاولات المعادية للديمقراطية التي كانت تستهدف حكومة حزب العدالة والتنمية آنذاك، فقد أظهرت صحيفة” واشنطن بوست” الموقف نفسه إزاء البيان العسكري التحذيري المنشور في منتصف الليل. وكان المقال الافتتاحي في الصحيفة الأمريكية يشير إلى أن “أردوغان يترأس أنجح حكومة في تاريخ تركيا الحديث”. ووصفت الجريدة بيان المؤسسة العسكرية بـ”البيان المؤسف”، وكتبت: “استطاع أردوغان تنفيذ حزمة من الإصلاحات المتقدمة التي لم تنجح فيها الحكومات السابقة، بغض النظر عن أجندته الإسلامية، وقاد مساعي نيل عضوية الاتحاد الأوروبي. كما أن الاقتصاد التركي ينمو ويتطور بسرعة كبيرة. أما أكبر تهديد يحدق بالديمقراطية في تركيا فليس قادمًا من حزب العدالة والتنمية بل من معارضيه”.
لكن هذا التأييد انقطع بعدما ابتعدت تركيا عن الديمقراطية، وبدأت الحكومة تقمع الصحفيين المستقلين، وشنت الشرطة حملات دهم على منازل المواطنين بسبب بعض التغريدات المنشورة على تويتر، وابتعدت الحكومة عن الواقعية على مستوى السياسة الخارجية. وحلّت انتقادات لاذعة محل الأصوات المصفقة لأردوغان وإنجازاته. وفي الوقت الذي كانت فيه جريدة نيويورك تايمز تمتدح إصلاحات أردوغان في الماضي، صارت تصفه بـ”الزعيم المستبد الذي يعيش في عالم موازٍ بمواقفه التي لا تقبل النقد”.
وفي مقال لنيويورك تايمز حمل عنوان “جنون العظمة يسيطر على تركيا” أشير إلى أن الحملة التي استهدفت صحيفة زمان ومؤسسة سامان يولو الإعلامية تعتبر جزءًا من سياسة جنون العظمة هذه. كما شدّد كاتب المقال على أن تركيا، التي تمتلك عضوية بحلف شمال الأطلسي (ناتو) والمرشحة لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، أصبح تقييد الحريات وقلْب القوانين رأسًا على عقب قاعدةً بها، وصار مسؤولوها لا يهتمون بالانتقادات التي يوجهها العالم بقولهم “دعونا وشأننا!”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]عندما كان حزب العدالة والتنمية يسير في الطريق الصحيح، كان نجم تركيا يتلألأ على مستوى العالم. واليوم يسير الحزب في الطريق الخاطئ، الأمر الذي أفضى إلى أفول نجم تركيا ومن يحكمونها. أما الأمر المقلق في هذا الشأن فهو أن ينظر الرئيس أردوغان إلى هذه المؤشرات ويقول “لا أهتم بعزلة تركيا على المستوى الدولي” بدلًا من أن يتعلم من أخطاء الماضي.[/box][/one_third]إذا كانت الحكومة التركية تستقبل انتقادات من الغرب فقط، ربما كان من الممكن عدم الاهتمام بهذه الانتقادات من خلال التسويق لنظريات المؤامرة من قبيل “الغرب أساسًا يعتبر عدوًا لتركيا“. لكن الوضع ليس كذلك؛ إذ هاجمت صحيفة إفريقية قبل أيامٍ توجُّه الرئيس التركي أردوغان الذي ابتعد عن الديمقراطية والقانون واستهدف القضاء على حركة الخدمة وجميع مدارسها المنتشرة في شتى بقاع المعمورة. وقد أوضح الكاتب فينسينت كانايو في مقال له نشرته صحيفة “ليدرشيب” النيجيرية أنه أصيب بصدمة كبيرة عندما نما إلى مسامعه طلب الرئيس التركي أردوغان إغلاق المدارس التركية بتهمة الإرهاب، وتابع بقوله: “لماذا تستهدف هذه المدارس الموجودة في القارة الإفريقية بدلاً عن تلك الموجودة في البلدان الغربية التي انتشرت بها كالولايات المتحدة وبريطانيا؟ وإذا كان يجب أن نتحدث بصراحة، فالغربيون لا يقبلون هراء كهذا. فعقلية أردوغان المحدودة تعتقد أن الأفارقة أغبياء لأن دولهم فقيرة وغير متطورة”.
وقد استخدم الصحفي النيجيري تعبير “الشخص الذي لا يمكن الثقة به” لوصف أردوغان بعدما هاجم المدارس التركية التي كان يمتدحها بالأمس القريب، دون أي دليل أو جريمة محسوسة، وذلك بعدما قدّم وعودًا إلى القارة السمراء بتأسيس مدارس بها في حين أنه عاجز عن حل المشاكل التعليمية التي يعاني منها بلده تركيا التي ينخفض مستوى التعليم بها دون المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) التي تمتلك تركيا عضوية بها.
ومن أجل رؤية التراجع الذي تشهده تركيا مؤخرًا، يمكن أن ننظر إلى تصنيفها في مؤشرات حريات الإعلام والديمقراطية والفساد والشفافية العالمية. كما أن المؤشر على ذلك هو فشل أنقرة في دخول مجلس الأمن بالأمم المتحدة بعدما ترشحت العام الماضي؛ إذ لم تستطع الحصول على دعم الكثير من البلدان مقارنة بعام 2008.
كل شيئ واضح، فعندما كان حزب العدالة والتنمية يسير في الطريق الصحيح، كان نجم تركيا يتلألأ على مستوى العالم. واليوم يسير الحزب في الطريق الخاطئ، الأمر الذي أفضى إلى أفول نجم تركيا ومن يحكمونها. أما الأمر المقلق في هذا الشأن فهو أن ينظر الرئيس أردوغان إلى هذه المؤشرات ويقول “لا أهتم بعزلة تركيا على المستوى الدولي” بدلًا من أن يتعلم من أخطاء الماضي.
لاشك في أن تشخيص أردوغان للأمور التي تسير على نحو سيئ عجيب للغاية؛ إذ قال: “ربما تكون العزلة لدى الزعماء، لكن ليس هذا إلا الحسد بعينه!”.
إن مغزى أردوغان من هذه العبارة واضح وصريح، ألا وهو: لا أهتم بانهيار مكانة تركيا على مستوى العالم طالما بقيت في سدة الحكم!
هذا أمر مؤلم، لكن يبدو أننا وصلنا إلى مرحلة لايفيد فيها الكلام…