بقلم: عمر نور الدين
في عرف الانتخابات ثلاثة أشهر ليست بالوقت الطويل. ويمكن القول بأن العد العكسي للانتخابات البرلمانية في تركيا التي ستجرى في 7 يونيو/ حزيران المقبل قد بدأ بينما لاتزال المعارضة التركية تغط في سبات عميق يبدو كحالة غيبوبة مزمنة.
في كل الأنظمة الديمقراطية تعمل أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني كعوامل ضاغطة تكبح النزعة السلطوية لدى الحزب الحاكم وتتصدى لكل محاولات الاستبداد والاستفراد بالسلطة وهدم أسس وقواعد الديمقراطية وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام والحقوق المتساوية للمواطنين.
أما إذا نامت المعارضة واكتفت بما يمكنها أن تحققه استنادا إلى قاعدة ليس بالإمكان أبدع مما كان فمعنى ذلك أنها تخلت طواعية عن دورها لتسلم المجتمع بكامله والدولة بكاملها إلى أى حالم أو طامع في بناء امبراطورية يحكمها بالفساد والاستبداد.
ربما يكون من قبيل الأحكام المطلقة أن نجرد المعارضة التركية من كل محاولة أو سعى لنيل الفرصة وتعزيز الديمقراطية، فما تعرضت له الأحزاب خلال الفترة التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية البلاد منذ عام 2002 وحتى يومنا هذا لم يكن بالقليل، اعتمادا على إمكانيات الدولة المسخرة للحزب والخاضعة لتصرفه مع وجود شخص على رأس الحزب يحلم ببناء امبراطوية خاصة يحلو له أن يزينها بغلاف العثمانية ليسلب ألباب من يترحمون على أيام المجد القديم للدولة العثمانية وسلاطينها العظام.
في الأنظمة التي تبلغ درجة من الهشاشة تحولها إلى ما يشبه حكم الفرد تنجح الألاعيب السياسية وسيطرة قوة الدولة المركزة في يد فرد واحد في إضعاف الأحزاب السياسية، وحتى إنهاء بعضها من الوجود كما حدث مع حزبي الوطن الأم والطريق القويم اللذين كانا من أبرز أحزاب تركيا وأوسعها سيطا ومشاركة في الحكم، وعزل أو تهميش أحزاب أخرى مثل اليسار الديمقراطي أو ولادة أحزاب ميتة مثل“ تركيا“ الذي خرج من عباءة العدالة والتنمية وأسسه نائب رئيس الوزراء السابق عبد اللطيف شنر.
أو ربما نشهد ميلاد أحزاب من بطون أحزاب أخرى لإضعافها كحزب“ صوت الشعب“ الذي أسسه نعمان كورتولموش وخرج به من رحم حزب السعادة ليقتل حزبه بيديه بعد ذلك عندما استقطبه رئيس الوزراء السابق رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان إلى حزب العدالة والتنمية كنائب لرئيس الحزب ثم نائبا لرئيس الوزراء وكان الكثيرون يتوقعون أن يكون هو خليفة أردوغان في رئاسة الحكومة، وحدث الأمر نفسه عندما استقطب أردوغان سليمان صويولو وكل ذلك بهدف إضعاف الأحزاب الأخرى أو الأحزاب التي تنتمي للتيار نفسه الذي خرج منه حزب العدالة والتنمية ” الرؤية القومية” لمؤسسه الراحل نجم الدين أربكان وجذب كتلة تصويتية من هذه الأحزاب لمنعها من منافسة حزب أردوغان ولمنعها في الوقت نفسه من الحصول على الحد النسبي 10% من اصوات الناخبين.
وفي موازاة ذلك تقوم أجهزة الدولة باللعب داخل الأحزاب الأخرى التي تمثل قوى تقليدية على غرار حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية بهدف إضعافهما من الداخل أو تشويه قياداتهما وما إلى ذلك من الحيل والألاعيب التي عرفتها تركيا في السنوات الأخيرة.
لكن كل ذلك لا يعفي هذه الأحزاب، ولاسيما الأحزاب صاحبة التجربة الطويلة التي عركتها السياسة وألاعيبها من حقيقة أنها باتت أحزابا خاملة ترضى بما هو متاح لها ولا تلتحم التحاما قوبا باحتياجات الجماهير وتطلعاتهم وتتركهم نهبا لمن يسيطرون على عقولهم وأصواتهم إما بالمساعدات والرشاوى الانتخابية أو بالشعبوية والدعاية السوداء أو بالتخويف والترهيب من الغد المظلم إذا غادر العدالة والتنمية الحكم وعادت تركيا إلى عهود الحكومات الائتلافية، رغم أن الزمن تغير وحركة التاريخ تبدلت وسقطت أنظمة عتيدة على حدود تركيا ما كان أحد يتخيل رحيلها، وتغيرت التركيبة السياسية في أوروبا وصعدت أحزاب صغيرة كالشرر الملتهب.
في الانتخابات البرلمانية القادمة تحديدا لدى أحزاب المعارضة التركية فرصة كبيرة لو أحسنت استغلالها لتغير وجه الحياة السياسية في تركيا لعديد الأسباب:
– الشعب يعيش حالة استقطاب عبر عنها أحد قيادات الحزب من المؤسسين هو نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية إذ قال إن 50% من الشعب يكرهوننا الآن .. فهل يمكن للمعارضة بأحزابها المختلفة أن تلعب على الفوز بهذه النسبة من الناخبين الغاضبين؟
– حزب العدالة والتنمية لم يعد كما كان وهناك حالة انقسام حتى وإن سعت قياداته لإخفائها بعد تورط أسماء كبيرة من الحزب في قضايا الفساد والرشوة واستغلال النفوذ وآمن قطاع ليس بالقليل داخل الحزب بأن هناك فساد وأن الحديث عن وقائع مصطنعة من جانب كبان مواز مزعوم ماهي إلا محاولات للاستخفاف بالعقول.
– هناك أيضا صراع بين الحرس القديم والحرس الجديد أو جيل الشباب داخل الحزب وهناك تغييب مقصود لبعض الأسماء، وغياب آخر طبيعي لأسماء كبيرة وبارزة بحكم لائحة الحزب التي لاتجيز الترشح لأكثر من 3 دورات برلمانية بل إن هناك صراعا خفيا على المصير والوجود بين كتلة من قيادات الحزب والرئيس رجب طيب أردوغان الذي يسعى لتغيير النظام السياسي في البلاد إلى النظام الرئاسي وبين من يرون أن التحول إلى هذا النظام ليس في صالح تركيا.
– الجمود الذي تعانية المشكلة الكردية وتلاعب حزب العدالة والتنمية بقضية الأكراد وهو موقف لايحتاج للكثير من الجهد لإثباته.
– مواقف أردوغان والهجمة على الحريات وشيوع الظلم بحق العديد من فئات الشعب وتراجع معدلات الأداء الاقتصادي وعدم قدرة العدالة والتنمية على تقديم حلول جديدة وهروب الاستثمارات وتراجع هيبة تركيا وفقد اعتبارها وعزلتها على الساحة الدولية مما يفقد الاقتصاد التركي بالتالي العديد من الفرص للتوسع.
كل هذه عوامل يمكن للمعارضة التركية اللعب عليها وتنبيه الشعب إلى خطورة الاتجاه الذي تندفع إليه تركيا بسرعة مذهلة لينقلها من بلد ذي ديمقراطية كانت واعدة إلى بلد يسوده حكم الفرد والنظام الديكتاتوري الذي سينتهي حتما بالسقوط .. لكن حتى هذا السقوط له تبعات مؤلمة وضارة على مستقبل الوطن مثلما حدث في الكثير من دول العالم وأقربها إلى تركيا دول ما يسمى بالربيع العربي التي دخلت غالبيتها في فوضى ومصير مجهول .
أمام المعارضة التركية فرصة كبيرة لإعادة تركيا إلى مسارها الصحيح .. لكن متى تستيقظ؟