ممتاز أر تركونه
تجدون في ناحيةٍ السياسات والبرامج والهويات الحزبية والانتماءات وفي الناحية الأخرى أصحاب الأنا المنتفخة والأشخاص المغرورين المتغطرسين. وتحاول حكومة حزب العدالة والتنمية إقناع الشعب التركي بأن هذه الانتخابات (الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو/ حزيران المقبل) ستجرى بين الأشخاص لابين الأحزاب السياسية. فهل سيتصادم الأشخاص والهويات وسيتغير كل شيئ؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يخوض حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية التي تجرى في شهر يونيو/ حزيران المقبل برأسمال “صفّره” الرئيس أردوغان الذي خرج إلى خارج اللعبة قبل أن يستطيع إكمال مشروعه السياسي الشخصي، وبقي النظام الاستبدادي الذي حاول تأسيسه من خلال المنافع المكتسبة عبر المؤسسات الحكومية دون أن يكتمل، وهو يبدو الآن غير قابل للتطبيق، فضلًا عن أن هذا النظام صار يشكل عبئاً ثقيلًا على الاقتصاد.[/box][/one_third]إن السياسة هي ميدان تحدٍ، فإذا كنتَ لاتتحدى فليس لك مكان في عالم السياسة. فمن يريد أن يعيش حياة متواضعة عليه أن يغلق بابه أمام السياسة. هل تريدون الأخلاق؟ عليكم أن تبتعدوا عن السياسة وتعيشوا حياة متواضعة. ما شُرح لنا هو أن السياسة تتشكَّل من خلال تصارع الأناوات. فالهيمنة التي أسستها السلطة في الساحة السياسية تحول دون كون الأحزاب الأخرى أحزاباً بديلة، ما يؤدي إلى أن تتحول الشخصيات إلى عوامل أساسية في اللعبة السياسية بدلاً عن الأحزاب. فيُطلب منا أن نبحث عن إجابات لأسئلتنا في الشخصيات المتكونة منذ الطفولة لعدة أشخاص وفي عالمهم العاطفي وسيرهم الذاتية. فهل نعتقد بمصداقية هذا؟
وإن بدت هذه الفكرة متوافقة مع العقل، فإن متطلبات الوقت والظروف هي التي تحدِّد معايير السياسة وليس الشخصيات. بل على العكس، فإن ضروريات السياسة هي التي تحدِّد الشخصيات، وتتشكَّل الكاريزما وفق متطلبات المجتمع. ويراجع السياسي عناصر شخصيته واحدًا تلو الآخر من أجل تلبية التوقعات، ويجمعها مرة ثانية. فلماذا لم تكن شخصية أردوغان عندما كان رئيسًا لفرع حزبه بإسطنبول أو حتى رئيسًا لبلدية إسطنبول الكبرى تحمل الصفات الشخصية البارزة التي تتمتع بها اليوم؟ ولماذا يتحوَّل داود أوغلو إلى أسد شرس بعدما كان مثقفًا وديعًا متواضعًا؟
مَن لاينتظرون تغييرًا في السلطة في الانتخابات البرلمانية المقبلة يتوقعون نتيجة سياسية من تصارع الأناوات والترجيحات الشخصية. أما أقوى عامل سيحدِّد النتيجة اليوم فهي في الواقع التوقعات نفسها. وأحزاب المعارضة التركية تلعب على هذا الوتر وتخشى الدخول في هذه المنافسة من الناحية المؤسسية مثل ذئب مرهق، وتترك الساحة لهذه المنافسة الشخصية. وما دامت الأناوات تتقدم إلى الواجهة إلى هذا الحد فإن التغيير السياسي سيأتي عبر الصراعات الشخصية في ظل عجز السياسة عن إنتاج رموز ومعان جديدة.
ولاشكّ في أن هذه الساحة السياسية المشخصنة بهذه الصورة المفرطة تشكّل فخاً منصوباً لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية المعارضين.
يخوض حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية التي تجرى في شهر يونيو/ حزيران المقبل برأسمال “صفّره” الرئيس أردوغان الذي خرج إلى خارج اللعبة قبل أن يستطيع إكمال مشروعه السياسي الشخصي، وبقي النظام الاستبدادي الذي حاول تأسيسه من خلال المنافع المكتسبة عبر المؤسسات الحكومية دون أن يكتمل، وهو يبدو الآن غير قابل للتطبيق، فضلًا عن أن هذا النظام صار يشكل عبئاً ثقيلًا على الاقتصاد.
لاتنظروا إلى ثقله الشخصي، فليس له مقابل في العالم الحقيقي للسياسة. فهو وحده الذي كان يسيطر أمس على الاستقرار السياسي ولاقتصادي، واليوم انعكس الأمر تمامًا؛ إذ إن مصدر أكبر تهديد يحدق بتركيا نابع من مواقفه العنجهية ومساعيه الرامية لتعزيز سلطته الشخصية المتراجعة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لاتنظروا إلى ثقل أردوغان الشخصي، فليس له مقابل في العالم الحقيقي للسياسة. فهو وحده الذي كان يسيطر أمس على الاستقرار السياسي ولاقتصادي، واليوم انعكس الأمر تمامًا؛ إذ إن مصدر أكبر تهديد يحدق بتركيا نابع من مواقفه العنجهية ومساعيه الرامية لتعزيز سلطته الشخصية المتراجعة.[/box][/one_third]إن السياسة ليست إلا عبارة عن اقتصاد مضغوط. فالجدال أحادي الطرف الذي أجراه أردوغان مع رئيس البنك المركزي أثبت أن “كرة الاستقرار السحرية” التي تعتبر “نعمة من السماء” أو من قبيل “المصادفة السعيدة” انتقلت من يده (أردوغان) إلى أياد أخرى. أجل لقد أظهر هذا النقاش وحده نهاية القيمة الاقتصادية لأردوغان وملء مكانه من قبل عناصر جديدة.
يجب أن نبحث عن مصدر المشكلة في استنفاد “بحر الدولة” (أموال الدولة) من قبل القلة السياسية والاقتصادية التي يديرها أردوغان من خلال المنافع الحكومية. وقد اعتقدَ أنه يستطيع تحقيق ما يلزم من توفير موارد وانتعاش اقتصادي من خلال وضع ثقله الشخصي في السوق وخفض الفوائد. أما الأسواق، فعلى العكس تمامًا، فقد تمردت. وكان ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية إشارة على ذلك. كما قضى تدخُّل نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية علي باباجان وسيطرة الحكومة على “كرة الاستقرار” واحتفاظها بها على ما بقي لدى أردوغان من السلطة. وقد اختبرت القوة السياسية في أقسى أنواع المجالات وأكثرها واقعية، أي السوق، وكانت الحكومة هي الرابحة.
ما بقي هو الأناوات الفارغة. فارغة نعم، لكنها كبيرة وتتخبط يمنة ويسرة وتحدث دمارًا كبيرًا بينما تتجول في الأرجاء. ولهذا السبب فإن الاختلاف حول اسم رئيس جهاز المخابرات من أجل الترشح في الانتخابات خاقان فيدان ليس سببًا، وإنما هو ناتج عن تراكم المشكلات ووصولها إلى طريق مسدود. ما يعني أن حزب العدالة والتنمية يسعى لتشكيل بديل له داخل نفسه حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة.
إن الطبيعي هو تقديم هذا البديل للمجتمع من خلال الأحزاب المنافِسة بواسطة الهوّيات المؤسسية، وليس بواسطة الأشخاص. وثلاثة أشهر مدة طويلة، ولن يكون متاحًا أمام جبهة السلطة الحاكمة سوى هذا المجال من المناورة من خلال الأشخاص. ويجب تدخل المعارضة في هذه اللعبة من أجل تقديم بديل حقيقي أمام الناخب.