القاهرة (زمان عربي) – أكد رئيس تحرير صحيفة” زمان” التركية أكرم دومانلي أن حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان يجران تركيا باتجاه أن تصبح دولة استبدادية بوليسية قائمة على قمع الحريات.
وتناول دومانلي في أول حوار لصحيفة مصرية اختص به صحيفة “الوطن” بعد الإفراج عنه بعد 6 أيام من الاحتجاز في إطار حملة الأحد الأسود على الصحافة الحرة في 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الأوضاع الحالية في تركيا ويتحدث عن التحولات الأخيرة لدى الحزب الحاكم وتحوله إلى نظام استبدادي، يقمع الحريات، ويضغط على القضاء، وينشئ شرطته الخاصة، ويفقد أصدقاءه الدوليين، ويتستر على الفساد.
وأكد دومانلي أن تركيا تواجه الآن عزلة دولية بسبب سياسة الحزب الحاكم الخارجية التي اعتمدت على محاولة تسويق قوة في السياسة الخارجية غيرِ موجودة لديها من خلال الخطب الملحمية والرومانسية، كما اعتبر الهجوم المستمر علي مصر نوعا من الدعاية الانتخابية لجذب أصوات الناخبين خاصة من التيار الإسلامي في تركيا لصالح حزب “العدالة والتنمية”.
وفيما يلي نص حديث دومانلي لصحيفة” الوطن” المصرية:
* حزب «العدالة والتنمية» الحاكم فى تركيا يواجه تحديات كثيرة في الفترة الأخيرة.. ما الذي تغير في الحزب الحاكم؟ وما سر المعارضة القوية ضده؟
– نجح «حزب العدالة والتنمية» في إنجاز أعمال متميزة منذ أن وصل إلى السلطة في تركيا عام 2002. ومثال على ذلك الإصلاحات التي قام بها في طريق الانضمام إلى «الاتحاد الأوروبي» ورفع سقف الديمقراطية وانتقال الاقتصاد إلى مرحلة شفافة وقابلة للمراقبة.. ومن جانبنا، بصفتنا جريدة” زمان” دعمنا الحزب صاحب الإصلاحات بالضبط كما فعل «الاتحاد الأوروبي».
إلا أن الحزب بدأ اعتبارا من عام 2010 في الابتعاد عن الديمقراطية واتجه لتأسيس نظام أكثر استبدادا. الأمر الذي دفع عددا من الديمقراطيين والليبراليين وحتى المتدينين الذين كانوا يدعمونه في البداية لأن يتخاصموا معه. وسرعان ما ازدادت شراسة الحزب عقب الاحتجاجات التي شهدناها في متنزه «جيزي بارك» في مدينة «إسطنبول» صيف 2013، ثم ما لبث أن تبنى مسئولو الحزب موقفا أكثر شدة وعداء للديمقراطية وقمعا بعد الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة في 17 ديسمبر 2013.
* هل لك أن تلخص لنا الوضع الآن في تركيا؟
– الآن ملخص الوضع كالتالي: تمارس حكومة حزب «العدالة والتنمية» الضغوط على كل من لا يفكر بمنطقها نفسه. ولجأت الحكومة إلى تقوية جهاز المخابرات بهدف جني ثمرات هذه الضغوط فعلا، وتأسيس كوادر يمكن أن نطلق عليها «شرطة الحزب»، واستحداث محاكم لديها صلاحيات غير عادية تخدمها في تحقيق أهدافها. كما ترسل الحكومة مراقبين ماليين إلى المؤسسات والشركات المعارضة لممارسة الضغوط عليها، وتبادر إلى رفع دعاوى باتهامات لا سند لها لتكميم أفواه الإعلام.
* «أردوغان» يتحدث دوما عن حرية الإعلام.. لكنك تعرضت للسجن مؤخرا.. ماذا يعني ذلك بالنسبة لحرية الإعلام في تركيا بشكل عام؟
– يتحدث الرئيس «أردوغان» دائما عن حرية الإعلام، لكن ما يحدث في الواقع لا يتماشى مع هذه التصريحات. ومثال ذلك أنكم لا تستطيعون حصر عدد الصحفيين الذين فصلوا من عملهم في العامين الأخيرين. أضف إلى ذلك أن القائمين على بعض المؤسسات الصحفية والتليفزيونية يستقيلون من مناصبهم بسبب الضغوط التي تمارسها الحكومة عليهم هذا فضلا عن طرد رسامي الكاريكاتير والكتاب من وظائفهم.
كذلك لم يرفع الحظر الذي كان مفروضا على موقعي” تويتر” و” فيس بوك” للتواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت إلا من خلال تدخل المحكمة الدستورية. ويجب ألا يتحدث «أردوغان» عن حرية الإعلام بعد أن قال في تصريح له: «سنستأصل شأفة موقع تويتر!». ولا تزال الضغوط التي تمارسها الحكومة على جميع المؤسسات الإعلامية مستمرة. ونتعرض نحن أيضا، كسائر المؤسسات الإعلامية الأخرى، للتهديد من جانب الحكومة لكن يجب علينا ألا نخاف ونحن فعلا لا نخاف.
* في رأيك، لماذا فشلت المعارضة التركية في انتخابات البرلمان والرئاسة؟ مع إن حركة مدنية بحجم «الخدمة» كانت جزءاً من هذه المعارضة؟
– ترغب أغلبية الشعب التركي في حكومة متدينة وديمقراطية. وللأسف فإن أحزاب المعارضة لا تستطيع تقديم بديل أفضل من «العدالة والتنمية» للجماهير. وعندما تكون المعارضة ضعيفة إلى هذا الحد فإن الناخبين يدلون بأصواتهم لصالح «حزب العدالة والتنمية» حتى وإن كانوا ناقمين عليه وغير راضين عن أدائه، ذلك أنهم لا يرون حزبا بديلا حقيقيا له. هذا بطبيعة الحال إلى جانب أن الحزب الحاكم حول التليفزيون الرسمي ووسائل الإعلام المقربة منه إلى آلة دعائية لغسل عقول نسبة كبيرة من المجتمع التركي.
* من هم الأطراف الرئيسيون الذين يحكمون تركيا حاليا؟ وما المخرج من الاضطرابات السياسية التي تعانيها تركيا؟
– تعيش تركيا أزمة في نظامها الديمقراطي. ففي الوقت الذي يسود فيه النظام البرلماني كنظام حكم في البلاد تجدون أن الرئيس «أردوغان» يتدخل بشكل مباشر في عمل رئيس الوزراء ومجلس الوزراء وإدارة الدولة كأن نظام الحكم هو النظام الرئاسي.
الحكومة التركية تتهم كل صوت معارض لها بأنه يحاول الانقلاب عليها
إن الدستور التركي في الواقع لا يمنح لرئيس الجمهورية كل هذه الصلاحيات. أما «أردوغان» فيستغل صلاحية لم يمنحها له الدستور بشكل مخالف للنظام القائم وهو بذلك يريد أن يربط جميع السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، بشخصه. وهذا مصدر غضب المعارضة. وهناك حل واحد لهذه الأزمة ألا وهو العودة إلى نموذج دولة القانون والديمقراطية والتخلّي عن الإدارة التعسفية من خلال إعادة اتخاذ معايير «الاتحاد الأوروبي» أساسا للحكم.
* ما حقيقة قضايا الفساد التي تكشفت في 17 ديسمبر 2013، وقد تابعنا كثيرا من التسجيلات الصوتية.. إذا كانت هناك أدلة دامغة لماذا لم تتحقق إدانة أحد لاسيما وأنها طالت أسرة «أردوغان» وكبار المسئولين كذلك؟
– تعتبر فضيحة الفساد والرشوة التي تم الكشف عنها يوم 17 ديسمبر 2013 أكبر فضيحة فساد في تاريخ تركيا. وسرعان ما تدخلت الحكومة في عمل السلطة القضائية للتستّر على هذه الفضيحة وأصدرت تعليمات لنفي النواب العامين والقضاة ورجال الشرطة المعنيين بالأمر ومن ثم عيّنت أشخاصا ينقذون المتورطين في فضيحة الفساد. حتى إن الحزب الحاكم لم يسمح للجنة البرلمانية المسئولة عن التحقيق في القضية بإحالة الملف إلى المحكمة الدستورية. هذا في حين أن بعض أعضاء المحكمة الدستورية كانوا عينوا في وقت سابق من جانب الحزب نفسه. لكن بالرغم من كل هذا يخشون تعمق التحقيق في القضية.
لقد نفّذ أولئك الذين رأوا أن هذا التحقيق سيطولهم هم أيضا انقلابا ضد جهاز القضاء. وهم يعتقدون أنهم تستروا على ملف الفساد، لكن هذا غير ممكن. فلا يمكن نسيان أو التستر على فضيحة فساد بهذا الحجم. وجرى الكشف عن الكثير من الأدلة الملموسة حتى أن جميع وسائل الإعلام التركية تناولت أخبارا بشأن هذه الأدلة وهو ما فعلته جريدتنا كذلك. ولو لم نكن فعلنا ذلك لما كنا نستطيع أن نطلق على أنفسنا لقب “صحفيين أحرار”. فقيمة الخبر عالية جدا. وأعتقد أننا نسير في الطريق الصحيح إلى الآن.
* لماذا أصبح «أردوغان» والحزب الحاكم مذعورين بعد كشف فضائح الفساد؟ ولماذا وصفوها مباشرة بمحاولة انقلاب ابتداء من أحداث «جيزي»؟ ولماذا تتكرر كلمة الانقلاب في كلام المسئولين الأتراك كثيرا؟
– تتهم الحكومة التركية كل صوت معارض لها بأنه يحاول الانقلاب عليها. فأحداث «جيزي» بارك اعتبرت انقلابا. حتى إن مجموعة من مشجعي أحد أقدم الأندية في تركيا (بشيكتاش الذي أنشئ قبل 112 عاما) تحاكَم حاليا بتهمة محاولة الانقلاب على الحكومة. كما تلصق تهمة تدبير الانقلاب بموظفي الدولة الذين كانوا يديرون التحقيق في قضية الفساد وحتى أولئك الذين يطالبون بمواصلة التحقيق بشكل شفاف. فالحزب الحاكم يهاجم الآخرين ويلصق بهم الاتهامات في حين أن بعض أعضائه هم المتهمون بأعمال الفساد.
* بعد كشف فضائح الفساد قدمت مشاريع تعديلات قانونية لهيكلة جهاز الشرطة وهيكلة القضاء.. ما مصير تلك التعديلات؟
– أُدخل الكثير من التعديلات على نظام عمل الشرطة والقضاء عقب البدء في التحقيق في قضية الفساد والرشوة التي تم كشفها نهاية عام 2013. وكان هدفهم واضحا جدا: فمن ناحية يريدون تبرئة أنفسهم ومن ناحية أخرى يحاولون إرهاب معارضيهم بمحاكمتهم.
* يتردد أن العلاقة بين الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية يشوبها بعض التوتر؟
– ليست لدي معلومات حقيقية حول وجود توتر بين الحكومة والمؤسسة العسكرية. لكن ربما يكون الجيش يشعر بالضجر جراء تعزيز قوة منظمة «حزب العمال الكردستاني» الإرهابية ورؤيته لتركيا وهي تسير نحو التمزق. لكن كما قلت ليست لدي معلومة ثابتة بشأن هذا الأمر وكل ما نعرفه هو القيل والقال الذي تتناقله وسائل الإعلام هنا وهناك.
* في رأيك ماذا يريد أردوغان بعد وصوله إلى الرئاسة؟
– هناك عملية ترمي لإغلاق نافذة تركيا المطلة على العالم الديمقراطي وتأسيسِ نظام خاص بها وحدها في الداخل. لا تحدث عمليات تصنيف عشرات الآلاف من الناس حسب انتماءاتهم من خلال جهاز المخابرات إلا في الأنظمة القمعية المغلقة. فالبعض لا يروقهم أن تكون تركيا دولة شفافة ديمقراطية تحترم القانون. ولهذا السبب فهناك توجُّه نحو نظام أكثر استبداداً وإغلاقاً. وأعتقد أن الشعب التركي – بطبيعة الحال – لن يرضى بهذا الوضع.
* ما الذي حدث في سياسة تركيا الخارجية؟ لماذا تحولت من دولة لها علاقات جيدة مع دول المنطقة إلى دولة لها علاقات مضطربة مع أغلب دول منطقة الشرق الأوسط تقريبا؟
– شهدت السياسة الخارجية التركية انهيارا كبيرا بسبب الخطأ الذي ارتكبته «أنقرة» في تقدير مستقبل الأحداث في منطقة الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال أسست تركيا سياستها إزاء جارتها سوريا من خلال حسابات خاطئة. فالخطاب الذي تبناه المسئولون الأتراك في الفترة الأولى من اندلاع الأزمة السورية بدأ يخفت من تلقاء نفسه عندما وجد خط التعاون بين سوريا – إيران – روسيا وحتى الصين.
يجب عودة العلاقات مع القاهرة.. ورجال الأعمال الأتراك يريدون الاستثمار في مصر
ولا يمكن لتركيا أن تكون زعيمة في الشرق الأوسط أو رائدة في البلقان من خلال الكلام فحسب. فما فعلته الحكومة التركية عبارة عن محاولة تسويق قوة في السياسة الخارجية غيرِ موجودة لديها من خلال الخطب الملحمية والرومانسية. بيد أن السياسة الواقعية لم تكن كذلك وعند مواجهة الحقائق نجد أن المشكلات بدأت تظهر بين الدول.
*هل تركيا بموقف «أردوغان» من النظام الحالي في مصر رابحة أم خاسرة؟ وهل من الممكن حدوث مصالحة بين البلدين في الوقت الحالي؟
– العلاقات التركية – المصرية اليوم سيئة للغاية. والعلاقات بين البلدين لم تتدهور إلى هذه الدرجة حتى في أصعب الأيام وأكثرها سوءا. فنجد أن المسئولين الأتراك، وفي طليعتهم الرئيس «أردوغان»، يتحدثون عن مصر بحسب أهواء جماهيرهم السياسية، وليس من خلال الحقائق السياسية على أرض الواقع.
إذا كان أعضاء الحكومة التركية يوظفون الحديث عن مصر أو أي بلد آخر في الحصول على المزيد من الأصوات في الانتخابات فليس من الممكن أن نفكر في أن هذه العملية ستسهم بالإيجاب في الارتقاء بالعلاقات التركية – المصرية. وبطبيعة الحال، يمكن للعلاقات أن تتحسن، ولحدوث ذلك يجب التخلّي عن المبادرات “الشعبوية” والاستعاضة عن محاولة الحصول على الأصوات الانتخابية من خلال الخطب الملحمية بالعودة إلى المعادلات السياسية الواقعية واللجوء إلى مهارة حل الأزمات عن طريق الدبلوماسية.
*هل تركيا تعاني عزلة إقليمية؟ وهل المصالحة القطرية المصرية يمكن أن تزيد من هذه العزلة؟
– للأسف دفعت تركيا نفسها إلى العزلة بنفسها. وأصبحنا نطلق في تركيا اسم “العزلة القيمة” على هذه الوضعية. ولا أعتقد أن يكون لهذا التصريح الرومانسي عنصر مسوِّغ ومعتبَر في السياسة الواقعية. وإذا أقدمتم على الشجار مع جميع الدول فستتشكل ضدكم تحالفات أخرى. ولهذا يجب على تركيا أن تتخلى عن عزل نفسها بنفسها وأن ترسم لنفسها معادلات وعلاقات وحدوداً جديدة من خلال استغلال رأسمالها التاريخي.
*هل هناك أوجه شبه بين الطريقة التي أدارت بها «جماعة الإخوان» الحكم في مصر وطريقة الحزب الحاكم في تركيا حاليا؟
– لا أرى من الصحيح ربط التطورات التي حدثت في مصر بسبب واحد ونتيجة واحدة تماماً مثل الأحداث الاجتماعية الأخرى. فالوقائع متعددة الأسباب يكون لها انعكاسات وتداعيات مختلفة للغاية. جماعة الإخوان ليست معروفة على وجه الدقة في تركيا. ولهذا السبب نتابع تفسيرات متعارضة مع بعضها البعض. ولذلك لا تتطابق في معظم الأحيان الصورة الذهنية للإخوان التي يتحدث عنها حزب «العدالة والتنمية» في تركيا مع تلك التي تظهر في الدول التي تزاول أنشطتها بها.
وهنا أقول إن التجارب الديمقراطية في تركيا تعتبر تجارب خاصة بتركيا. ولقد بدأ مسئولو حزب «العدالة والتنمية» يخلطون بين التجارب السياسية في مصر أو تونس أو سائر الدول الإسلامية الأخرى ومن ثم شرعوا في تقديم بعض التوصيات إلى جماعة الإخوان، لكنهم أغفلوا أن المجتمعات وكذلك تجاربها في هذه البلدان ليست نسخة طبق الأصل مما كان في تركيا بل مختلفة تماماً. إذ إن تركيا عاشت تجربتين برلمانيتين حتى خلال الحقبة العثمانية. وبعدها انتقلت إلى التعددية الحزبية عام 1960. وشهدت البلاد انقلابات عسكرية لكن لم يحدث تنازل عن الديمقراطية لتمسّك الشعب بها. ولا ريب في أن محاولة المقاربة بين هذه التجربة وسائر التجارب في الدول الأخرى لن يفيد تركيا أو الدول الأخرى.
*هل من الممكن أن يتخلى «أردوغان» عن جماعة «الإخوان»؟
– هناك علاقة بين دعم «أردوغان» للإخوان وبين كتلته الانتخابية. وهو يشير إلى جماعة الإخوان في كل مناسبة من أجل المحافظة على دعم قاعدته الشعبية الأساسية المنحدرة من تيار الإسلام السياسي. فإذا حدث هناك أي اعتراض أو معارضة صغيرة من الإخوان ضد «أردوغان» فإنه سيصبح عدوا لهم أيضاً بين عشية وضحاها. لذلك فإن موقفه الحالي مصلحي ونفعي بعض الشيئ.
*المعارضة التركية ترى ضرورة عودة العلاقات مع مصر.. هل تتفق مع هذا الطرح؟
– تعتبر مصر من أكبر وأهم الدول الصديقة لتركيا. ومن هنا تنبع رغبة رجال الأعمال الأتراك في الاستثمار في مصر. يمكن أن يكون للحكومة التركية اعتراضات على النظام الحاكم في مصر لكن لا يجب أن يكون ذلك سببا في قطع العلاقات بين البلدين.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الأمور الدبلوماسية، حتى في أوقات الحروب بين العديد من البلدان، ففي مصلحة مَن يصب تعليق العلاقات التركية – المصرية بالكامل؟ فهناك العشرات من الدول التي لا تعجب الإدارة التركية بأنظمتها الحاكمة ولكنها لا تقطع علاقاتها الدبلوماسية معها. وفي نهاية المطاف لا يمكن تغيير تصميم العالم بحسب ما يراه «أردوغان». ومن الخطأ أن تكون العلاقات الرسمية بين الدول ضعيفة إلى هذه الدرجة بينما التقارب التاريخي والثقافي بين الشعوب قوي إلى هذا الحد.
* ما تعليقك على الهجوم الإرهابي الذي طال صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية مؤخرا؟
– لا يمكن أن يكون هناك مبرر للإرهاب، الإرهاب لا دين ولا وطن له، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك الآن باتجاه البحث عن حل لهذه المشكلة التي تتلاشى أمامها كل جهود السلام التي تعاني ضعفا ووهنا في الأساس. لقد أصبحت الإنسانية تحت وطأة جرائم الكراهية وعداوة الأجانب والعنف، ويمكن تحقيق السلام العالمي من خلال النصر الذي نحققه أمام هذه العناصر الخبيثة. ولن يمكن القضاء على العنف ما لم نعارض الحجج التي يسوقها البعض لتسويغه بغض النظر عن هويته وفكره. يجب على الحكومات والمجتمع الدولي أن يتناقشوا الآن ويفكروا مرة ثانية بشأن موقفهم إزاء العنف وفشلهم في إقرار السلام حول العالم. فوتيرة العنف تعلو إلا أن رسائل السلام والجهود الرامية لتحقيقه تبقى ضعيفة وعاجزة عن مواجهة هذه الوتيرة.
* كيف كانت العلاقة بين المفكر الإسلامي فتح الله كولن و«أردوغان» وما كان دوره في وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى الحكم؟
– تمارس حركة «الخدمة»، التي تستلهم أفكار ومنهج الأستاذ فتح الله كولن، فعالياتها الخدمية منذ عام 1960. ودعم الأستاذ «كولن» دائما الحريات والديمقراطية، كما أنه نظر بإيجابية إلى كل سياسة تحررية أقدمت على تنفيذها كل حكومة وصلت إلى سدة الحكم في تركيا. وحسب منطق حركة «الخدمة»، على الإنسان أن يدعم الأفعال وليس الأشخاص أو الأحزاب. ولهذا حظي «أردوغان» بدعم كبير من الأستاذ «كولن» عندما كان يدافع عن الديمقراطية التعددية والمشاركة. لكن هذا الدعم لم يكن دعما للشخص بعينه بل كان دعما للديمقراطية. ولهذا السبب انقطع هذا الدعم ما إن تخلى «أردوغان» عن الديمقراطية وحدث ما رأينا من انفصال بين الجانبين.
* ولماذا حدث الخلاف بين «كولن» و«أردوغان»؟ خاصة وأننا نعلم أنهما كانا حليفين؟
– كان «كولن» قد دعم بعضا من الإجراءات التي قامت بها حكومة بولنت أجاويد اليسارية في الماضي. الأمر نفسه ينطبق على سياسيين من أمثال مسعود يلماظ وسليمان ديميريل. وكان الرئيس الراحل تورجوت أوزال أكثر السياسيين الذين دعمهم «كولن» في الماضي ذلك أن «أوزال» كان متدينا مخلصا وديمقراطيا حقيقيا. ولاقى «أردوغان» الدعم من حركة «الخدمة» دائما عندما كان يتقدم في طريق المفاوضات مع «الاتحاد الأوروبي»، لكن هذا الدعم بدأ يتراجع تدريجيا ما إن شرعت الحكومة في ممارسة الضغوط على المخالفين والمعارضين لها.
* هل كان ذلك التغير أمرا متوقعا؟
كان هذا التطور أمرا طبيعيا بالنسبة لأولئك الذين يعرفون المواقف التاريخية لحركة «الخدمة». أي أن انتظار حكومة «أردوغان» أن تحظى بالدعم نفسه من الحركة بعد أن بدأت السير في طريق معاداة الديمقراطية أمر غير ممكن.
* ما تعليقك على اتهامات الحزب الحاكم لـ«كولن»؟
– ليس هناك معنى للادعاءات التي توجهها الحكومة إلى الأستاذ «كولن» الذي كان موجودا على الساحة حتى قبل وجود حزب «العدالة والتنمية» ذاته. فقد انطلق «كولن» في طريقه في ستينيات القرن العشرين واحتضن المجتمع التركي بأسره من خلال هويته السلمية والديمقراطية في كل الأوقات ولم يرحب بمبدأ الكفاح المسلح أبدا. ولاشك في أن محاولة إلصاق تهمة الإرهاب بحركة اجتماعية (الخدمة) استلهمت أفكارها من شخصية سلمية مثل الأستاذ «كولن» يعتبر افتراء كبيرا.