زمان عربي-تركيا-إسطنبول
بقلم: حكيم أوغلو إسماعيل
كأن الدنيا جسم سماوي يذكر الله على الدوام. وبدوران الأرض تتوزّع أوقات الصلاة وفق خطوط الطول، فتجد في كل لحظة شخصًا يصلي في خط طول معين، صلاة العشاء في مكان، وصلاة الصبح في مكان آخر، وصلاة العصر في مكان ثالث. أي أن الأرض تشهد أداء الفروض الخمسة في كل لحظة.
هذا يعني أن الصلاة رتبَّت حسب الدنيا، وحياتنا نظمَّت حسب الصلاة. ولهذا السبب فليس هناك ما يسمى وقت الصلاة، بل صلاة الوقت.
كل مسلم ملزم بالاستفادة المثلى من وقته ومعاصرة الزمان المتغير. وها هي الصلاة تعلِّم المسلم قيمة الوقت لأنها – في الوقت نفسه – عبادة مؤقتة، أي لها وقت محدد وميقات معلوم. والصلاة تجعل المسلم منتبهًا إلى الزمان المتغير وتلزمه بتثمين وقته على أكمل وجه.
لقد أخبرنا المصلح الديني والاجتماعي التركي الراحل بديع الزمان سعيد النورسي عن أهمية الصلاة بالعبارات التالية: “نفهم أن أداء الصلوات في وقتها يعتبر رأسمال أخرويّ لاينتهي لدرجة أنه في وقت كل صلاة تؤدي جماعة كبرى يفوق عددها 150 مليون مسلم صلاتهم في الجامع العظيم الذي يسمى العالم الإسلامي. وكل رجل في هذه الجماعة يدعو لعموم المسلمين”.
إن الإسلام هو مخطَّط الله وبرنامجه. وتؤدَّى العبادات وفق هذا البرنامج على أساس الفرض والواجب والسنة. فالفروض هي الطريق الرئيس، أما الواجبات والسنن فهي الطرق الفرعية المتشعّبة من هذا الطريق. وكما أن الطرق الفرعية تجري وفق الطرق الرئيسة، فإن السنن تجرى وفق الفروض. والصلاة هي الصراط المستقيم والطريق الأساسي. وهذا الطريق يقود الإنسان إلى الجنة، وسائر الطرق الأخرى تابعة له.
لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن أوقات الصلاة. فعلى سبيل المثال أمرنا بقوله: “صلِّ صلاة العصر!”، فقلنا “سمعنا وأطعنا يا ربنا!”، وصلينا. فوظيفتنا في الحياة هي طاعة ربنا جل وعلى. فمن يقول “سأصلي الصلاة لاحقًا”، يكون قد أخّر طاعة ربه، ويدخل هذا في إطار العناد والتيه.
أنا جندي، أمضيت في الجندية 20 عامًا. فعلى سبيل المثال يصدر القائد أمره للجندي بقوله “انبطح!”، فلو تأخر الجندي دقيقة واحدة، يقول القائد “لقد أخطأت، اخرج من الطابور فأنت معاقب”. ذلك لأن الانضباط يعني طاعة القائد. ومن لايطيع قائده يكون قد تحرك بشكل غير منضبط، وإذا كرر هذا كثيرًا، يطرد من الجيش. والصلاة هي الجانب الانضباطي للحياة بالنسبة للمؤمن.
تتضمن الصلاة جميع نماذج الحياة، فهي عماد الدين بما أنها تربط المسلم بدينه، بالضبط كالعمود الأوسط في الخيمة، فإذا انكسر هذا العمود تنهدم الخيمة، ولا تنفع حينها الأعمدة الجانبية.
إن الدنيا هي المكان الذي يعاش فيه الإسلام. ولهذا السبب فمن الخطأ التفكير في الصلاة والإنسان كلًا على حدة. فإذا كان هناك مسلم فهذا يعني أن هناك شخصًا يصلي. فإذا جاع الإنسان يجلس إلى الطاولة ليتناول بعض الطعام، وإذا شعر بالتعب يمدد جسده ليستريح، وإذا تعرّق يغتسل لينظف جسده، أي أن الإنسان يتحرك وفق احتياجات أعضائه الجسدية. وهذه جميعًا حالات الإنسان. فإذا انتبه الإنسان إلى أوامر الله والسنة النبوية وهو يقوم بهذه الأحوال، يكون قد اتحد مع الإسلام.
إن تنظيم شؤون حياتنا بحسب مواقيت الصلاة يعتبر رعاية للسنة النبوية، وجزاء ذلك الجنة. فكما أننا نبرمج حياتنا الشخصية، فعلينا كذلك وضع حياتنا الدينية في الاعتبار. فإذا خرجنا في نزهة أو رحلة، ينبغي لنا أن نصطحب سجادة الصلاة لنؤدي الصلاة في وقتها. وإذا بدأنا عملنا، فلنحافظ على وضوئنا لنؤدِ الصلاة في استراحة الشاي.
وكما أن إقامة الصلاة هي عبادة لله، فإن العمل سواء في الورشة أو الحقل أو الجيش أو الهندسة أو التجارة أو أية حرفة أخرى هو كذلك عبادة. فالمتجر هو مكان للكسب الحلال، وهو مكان مليء بالأسرار، وبه نؤمِّن قوتنا، ونقدم من كسبه الزكاة، ونقدم النفع لأقاربنا. فالمسلم الواعي يوّحد المتجر بسجادة الصلاة.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الإيمان ليخلقُ في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدِّد الإيمان في قلوبكم”.
أي أن هناك الكثير من الحالات التي تضر إيمان الإنسان وعبادته. فأداء الصلاة هو في الوقت نفسه تجديد للإيمان.
إن الصلاة طاعة لله. وإذا حمل المسلم الصلاة إلى حياته الاجتماعية كذلك، يكون قد أطاع الله على مدار حياته كلها.