بقلم:نورية أكمان
إن استقالة رئيس جهاز المخابرات التركي خاقان فيدان من أجل الترشح للبرلمان يمكن قبولها كأهم حدث في هذا العام. وليست لدينا فراسة لنعرف خبايا هذا الوضع الاستثنائي.
لكن ربما نحاول التعبير عن استغرابنا من خلال بعض الأسئلة: إذا كانت الغاية هي الانتقام لعملية 7 فبراير/ شباط فهل من الضرورة من أجل ذلك أن يتواجد في البرلمان؟ أولم يتم تصفية الحساب مع المدعين العموم الذين استدعوه للتحقيق في 7 فبراير/ شباط 2012 ؟ وما هو النقص الذي سيكمله من عملية الانتقام إذا كان عضوا في البرلمان ؟ وهل يحاول داود أوغلو أن يقوي جانبه تجاه أردوغان الذي ألغى حزمة الشفافية التي أعدها (داود أوغلو) بفتح طريق عضوية البرلمان أمام فيدان إذ قال: “سيشغل فيدان أحد المقاعد الشاغرة من النواب الذين سيبقون خارج البرلمان بسبب إكمالهم 3 دورات متتالية (وفق اللائحة الداخلية للحزب)”؟ لكن هل فكر داود أوغلو إذ يفعل ذلك في أنه قد يكون كالمستغيث من الرمضاء بالنار أو مثل الذي يحرَم من البرغل في داره في حين ينوي جلب الأرز من دمياط؟ إن استقالة فيدان من منصب رئيس جهاز المخابرات لايعفيه من دوره في مسيرة السلام. وإن لم يكن هناك فرق بين منصب الوزارة ومنصب المستشار لإيفاء دوره في مسيرة السلام ألا يمكن الفهم في هذه الحالة أن الهدف النهائي لفيدان هو تولي منصب رئاسة الوزراء؟ أليس من الطبيعي – وفق قانون الطبيعة – أن تتحول البذور إلى فسائل (معنى فيدان في اللغة التركية هو الفسيلة أو الشتلة) والفسائل إلى أشجار والأشجار إلى الغابة في نهاية المطاف؟ فأية وزارة ستُمنح لفيدان في أول الأمر ومن باب الأولوية؟ ألا تكون وزارة الأمن العام تنزيلا لرتبته؟ وهل من الممكن أنهم لم يفكروا في الفرق الشاسع بين اجتياز المسافة من وزارة الخارجية أو وزارة الأمن العام للوصول إلى رئاسة الوزراء؟ فقد أُبطل مدلول الخبر بأن “داود أوغلو أقنع أردوغان” بتصريح أردوغان إذ قال: “لا أرى استقالة فيدان وترشحه لعضوية البرلمان أنه قرار صائب في محله”. وما الذي جعل أردوغان يرى نفسه مضطرا لترك التقدير إلى رئيس الوزراء في هذه المرة مع أنه دوما كان يتصرف ولسانه حاله يقول: “سيكون ما أريد أنا”؟
ماهي الحقيقة السرية التي جعلت فيدان يثبت على موقفه على الرغم من معارضة أردوغان؟ وهل لايمكن أن تكون نفس الحقيقة السرية تؤثر على داودأوغلو أيضا؟
هل أردوغان يتخوف في الحقيقة من أن يصبح “كاتم أسراره” (فيدان) رئيسا للوزراء في المستقبل؟ وهل سيشعر بالضعف أم بالقوة أكثر إذا عمل مع رئيس وزراء منتخب وهو يعلم الكثير من أسراره؟
هل لايزال أردوغان الذي كان يحلم بنجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات بـ400 نائب على الرأي نفسه بعد استقالة فيدان أيضا؟ أم رجع عن رأيه لأن الناس قد يتذرعون برأيه كحجة قوية لتغيير رئيس الوزراء في حالة فشل الحزب في تحقيق هدفه؟
وقد وصف نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش دخول رئيس المخابرات المتمتع بصلاحيات كبيرة وكأنه سوبرمان في السياسة بأنه إسراف وقال: “ربما يكون وراء ذلك سبب رائع نجهله نحن”. فهل يعقل أن أرينتش لايعرف أنه ليس هناك سبب أروع من شغل منصب رئاسة الوزراء؟ إن لم يعقل جهل أرينتش بهذه الحقيقة أوَ لايفرح في باطنه لهذا الوضع الجديد لأنه قلق على مستقبل البلاد، وهو منزعج من تغير حب أغلبية المواطنين تجاه الحزب إلى كراهية ونبّه داود أوغلو بقوله: “لا ترفع صوتك لتواكب الموضة بما قد تندم عليه في المستقبل” ولأنه ضيع مكانته المعتبرة في الحزب حين لم يفز بمنصب رئاسة الوزراء بعد أردوغان. هل لن يمس الناس فيدان بألسنتهم إذا أصبح نائبا في البرلمان أكثر مما كانوا يمسونه عندما كان رئيسا لجهاز المخابرات؟ وكيف سيصبر على الوضع الجديد بعد أن كان في معزل من ألسنة الناس؟ ثمة مقولة مشهورة على مستوى العالم بين موظفي المخابرات: “إن كنت جاسوسا في وقت من الأوقات يعني ذلك أنك ستبقى جاسوسا إلى النهاية” فإن كانت هذه المقولة صحيحة فهل ذلك يعني أن فيدان سيقوم بمهمته في البرلمان تحت تأثير مهنته الأصلية؟
ونظرا لأن فيدان سيظهر على وسائل الإعلام أكثر من ذي قبل فهل سيظهر هو أيضا على وسائل الإعلام الموالي للحزب كما يفعل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء؟ أم ستكون له ميزة خاصة به في الثقة بالنفس وتحمل الانتقادات ورد الجواب عليها وسيفوق في ذلك أسلافه؟
وهل سيُوجه لفيدان (الذي عرض على رئاسة الوزراء تقريرا حول ادعاءات الفساد والرشوة المتعلقة بالوزراء الأربعة والادعاءات المتعلقة بتنظيم التحشية قبل 17-25 ديسمبر/كانون الأول) هذا السؤال: لو أعاروا الاهتمام لتقريرك في وقته كيف كانت ستجري الأحداث في رأيكم؟
لم ير داود أوغلو مانعا في تقليد أردوغان في كل شيئ ابتداء من نبرة صوته إيماءات وجهه ولغة جسده بما لايتوافق في الحقيقة مع شخصيته. وهل سيرتدي فيدان (الذي لا نعرف إلى الآن صوته ونبرته وطريقته في تركيب الجمل) نفس الثوب. أم أنه سيكون له طراز وأسلوب خاص ليقول “هذا هو أسلوبي”؟
المعلومات الأساسية حول سيرة حياة فيدان لاتزال محدودة جدا. فهل سنعلم عن سيرة حياته مزيدا من التفاصيل مع عضويته في البرلمان؟ فعلى سبيل المثال هل سيخبرنا ياترى ما الذي عاشه أثناء انفصاله عن الجيش وكيف اجتاز كل هذه المسافة في وقت قصير وتمكن من هذا الرقي السريع في المناصب الإدارية؟
وهل نستغرب ونفاجأ إذا استنجد به زعماء المعارضة الذين لم يستطيعوا ليَّ ذراع أردوغان بأية حال وهتفوا به : “نجِّنا يا أخانا الكبير خاقان”؟