بقلم: محمد كاميش
تعوّدت تركيا على مثل هذا النوع من التصريحات في عهود الانقلابات العسكرية. وكان الأدميرال جوفن أركايا، قائد القوات البحرية التركية إبّان انقلاب 28 فبراير / شباط 1997، قد صرّح بأن “الرجعية أخطر من إرهاب حزب العمال الكردستاني”.
وكان من المثير جدًا أن تصدر عبارات مشابهة عن الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، بالرغم من مرور كل هذه السنوات، في تصريح أدلى به للصحفيين على متن الطائرة بينما كان في طريقه لزيارة كولومبيا؛ إذ قال إن “حركة الخدمة أخطر من حزب العمال الكردستاني”. وبهذا يكون أردوغان قد اتحد مع انقلابيي 28 فبراير/ شباط في اللغة المستخدمة واعترف بأن تركيا تشهد مرحلة استثنائية عُلق فيها العمل بالقوانين مثلما حدث قبل 18 عامًا.
يحمل أصحابُ السلطة البلدَ إلى أوضاع استثنائية، ثم يعتبرون كل مَن سواهم أخطر حتى من التنظيمات الإجرامية. ويمكننا أن ننظر إلى هذا النوع من التصرفات على أنه جهد يبذله مَنِ ارتكبوا جرائم كثيرة من أجل النجاة بأنفسهم ممن لم يرتكبوا أية جريمة. وكان التشابه بين تصريحات أردوغان وتلك التي أطلقها الأدميرال أركايا آنذاك قد ظهر إلى العلن أيضاً في الوعد الذي قدّمه أردوغان للمؤسسة العسكرية خلال اجتماع مجلس الأمن القومي عام 2004.
لعلكم تتذكرون جيدًا أنهم كانوا يبررون كل عمليات الظلم التي شهدتها تركيا أيام انقلاب عام 1997 بكلمات من قبيل “أمن الدولة” و”المصالح القومية” و”النظام العام” وكانوا يتهمون المتديّنين بأنهم “دُمى” في أيدي القوى الخارجية. وكان الأمن القومي هو مركز كل شيئ، وكان كل مَن يجد أمامه ميكروفونًا يبدأ بالتلفظ بكلمات تتعلق بالدولة وأمنها. ألا تتذكرون عبارات من قبيل “إذا أرادت الدولة هذا فما يقع على عاتقكم ليس إلا السمع والطاعة. مَن أنتم حتى لاتطيعون الدولة؟!”
كنا نسمع هذه العبارات باستمرار صباح مساء خلال فترة 17 يوني / حزيران التي بدأت عقب انقلاب 28 فبراير مباشرة. وكانت هذه الرجعية خطيرة للغاية بالنسبة لأصحاب السلطة لدرجة أنهم كانوا يتحملون حزب العمال الكردستاني الذي كان يسقط عشرات الجنود شهداء كل يوم لكنهم لم يكونوا يتحملون هؤلاء “الرجعيين”.
مرّت السنون لنرى الرئيس أردوغان ومؤيديه يستخدمون ضد حركة الخدمة العبارات نفسها التي استخدمها انقلابيو 28 فبراير. وكان رئيس الوزراء أحمد داودأوغلو قد أدلى، خلال لقاء تليفزيوني، بتصريحات مشينة حول المقال الذي كتبه الأستاذ فتح الله كولن في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية؛ إذ قال: “تعرضنا لضغوط كبيرة إبان انقلاب عام 1997، لكن لم نشكُ تركيا إلى أحد أبدًا”. وبهذه التصريحات يكون داود أوغلو قد اعترف ضمنيًا بأن الضغوط التي تمارَس اليوم على حركة الخدمة هي نفسها التي مارسها العسكر بالأمس على المتديّنين.
وعندما كان القائمون على شؤون البلاد يريدون الخروج عن إطار القانون إبان فترة انقلاب 1997، التي شهدت عمليات اختلاس البنوك وارتفاع معدل الجرائم والأعمال المنافية للقوانين، كانوا يطلقون الصيحات المناهضة للرجعية، ومن ثم يمارسون ما يريدون من أعمال خلسة. واليوم أصبح مصطلح “الكيان الموازي” هو الكلمة المفتاحية لجميع عمليات الاختلاس والمخالفات القانونية. فنجد اليوم أن كثيراً من الناس حتى أكثر الشخصيات “انعدامًا للشرف والأمانة” يهاجمون حركة الخدمة بأفظع العبارات.
حسنًا، لماذا يفعلون هذا؟ ماذا يحدث حتى يقولون إن حزب العمال الكردستاني أقل خطورة من حركة الخدمة التي لم تؤذ أحدًا ولم تلجأ إلى العنف قط ولم تحاول صد أي ظلم بواسطة القوة ولم تنشأ أصلًا إلا من أجل خدمة الإنسانية؟
أتفهّم أن حزب العمال الكردستاني حليفكم وشريككم الإستراتيجي. لكن ما هو سبب هجومكم بتصريحات انقلاب 28 فبراير، بل بلغة أفظع، على حركة الخدمة؟ أول ما يتبادر إلى ذهني هو أن هناك تشابهًا بين نفسياتكم، وأنكم لم تعودوا بحاجة إلى إخفاء هذا التشابه. ثانيًا؛ هو أنكم ارتكبتم جرائم أكثر من تلك التي ارتكبها انقلابيو 28 فبراير. فالغضب الذي تشعرون به بسبب اعتراض البعض داخل الدولة والمجتمع على ما تفعلون جعلكم تقولون هذا. فما يغضبكم هو أنه في الوقت الذي تلطختم أنتم بالفساد من رأسكم حتى أخمص قدميكم، فإن مَن اتهمتموهم لم تسوّل لهم أنفسهم التنازل إلى اختلاس ذرة من المال العام لاعتقادهم بأنه مال اليتيم.
لقد اعترفتم مرة أخرى أن عباراتكم وإجراءاتكم لا تختلف عما شهدناه أيام انقلاب عام 1997. لكن عليكم أن تدركوا أن أحدًا لايذكر أيًا من هؤلاء الانقلابيين بأي خير أبدًا.