بقلم: ياوز أجار
تصوروا معي:
1.أن المحاكم العليا في بلدكم – وليست أي محكمة عادية – تصدر “ثلاث قرارات حتمية” – وليس قراراً واحداً – في أعوام 2002 و2006 و2014 بأن المنظمة الفلانية منظمة إرهابية وتزاول أنشطة مخابراتية وتجسسية لصالح دولة أجنبية.
2.وأن رئاسة شعبة مكافحة الإرهاب في بلدكم أدرجت اسم هذه المنظمة في المرتبة الحادية عشرة في قائمة المنظمات الإرهابية الناشطة في بلدكم.
3.وثبت بموجب قرارات قضائية أن هذه المنظمة هي التي تقف وراء العديد من عمليات اغتيال كثير من الشخصيات السياسية والفكرية والإعلامية الشهيرة في بلدكم، وأن “الوسطاء” أو “العملاء” الذين استخدمتهم هذه المنظمة في تنفيذ العمليات لايزالون حالياً (2015) يقبعون في سجون بلدكم لقضاء عقوبتهم المغلظة.
نعم، ضعوا كل هذه الأمور نصب أعينكم ثم انظروا إلى ما يحدث في تركيا “الجديدة”. إذ تتهم السلطة السياسية مجموعة من رجال وقيادات الأمن بالتنصت غير القانوني وذلك لأنهم تابعوا ولاحقوا أعضاء هذه المنظمة الإرهابية المسماة بـ”منظمة السلام والتوحيد الإيرانية” العاملة في الأراضي التركية منذ عقود طويلة. فتأمر النيابة العامة والفرق الأمنية باعتقالهم مع أنهم سبق أن أُطلق سراحهم – وبعضهم ثلاث مرات – بعد أن قرّرت المحكمة وقف متابعة القضية لعدم وجود أدلة.
وإن دلّ ذلك على شيئ فإنه يدل على الوضع الأليم الذي آل إليه الدستور والقانون المعمول بهما في تركيا بفضل رئيس وزراء الظلّ أحمد داود أوغلو والصاحب الحقيقي – على ما يبدو – لكل السلطة في البلاد الرئيس رجب طيب أردوغان.
ومن العبث السعي للبحث عن مبرّرات قانونية في العمليات والاعتقالات المنفذة خلال هذا الأسبوع في إسطنبول ضد رجال الأمن، وكذلك التي نُفّذت من قبلُ، بعد هذا الكمّ الهائل من الانتهاكات القانونية على مرأى ومسمع من العالم طيلة العامين الماضيين. بل إن هذا النوع من العمليات يبدو أنه سيستمر خلال الأيام القادمة أيضاً.
إن الهدف الرئيس من هذه العمليات هو تصفية رجال الشرطة والموظّفين “الوطنيين” من البيروقراطية والتكنوقراطية التركيتين وعزلهم حتى من الحياة اليومية وإسكاتهم إلى الأبد، ليحل محلهم “أولاد العجم” و”عملاء إيران” والموالون لها والمتعاطفون معها.
وبما أن المؤسسات المعنية تتهم منظمة السلام والتوحيد الإيرانية بالتجسّس والتخابر لصالح إيران وضد تركيا، أفليس التحقيق في هذه القضية من مهمة المخابرات الوطنية (MIT) بدلاً عن الشرطة؟ أجل، إن التحقيق في التجسّس يقع ضمن واجبات وصلاحيات المخابرات في العادة، لكن لأن هذه الأخيرة لم تحقّق في أية قضية من هذا القبيل، بل لم تخطّط أصلاً لذلك، ولأن الشبهات والمزاعم الواردة في سجلات الأمن التركي حول وجود عناصرَ وجواسيس يعملون لصالح إيران في جهاز المخابرات ذاته وأجهزة الدولة الأخرى طالت حتى رئيسه خاقان فيدان المستقيل مؤخراً لخوض المعترك السياسي.. اضطر جهاز الشرطة لتولّي مهمة التحقيق ومتابعة العناصر والجواسيس الإيرانيين العاملين في تركيا.
ولمعرفة خطورة تلك المزاعم نكتفي بنقل ما قاله أحد النواب العموم المكلفين بالنظر في قضية تنظيم السلام والتوحيد الإيراني آدم أوزجان: “إن اثنين من أعضاء التنظيم كانا يتحدثان عن شخص يُدعى” أمين” في المكالمة الدائرة بينهما. ثم تبين فيما بعد أن هذا الشخص الملقب بـ” أمين” هو رئيس المخابرات خاقان فيدان، لكننا لم نتخذ أي إجراء بحقه”. كما يرد في تلك التسجيلات الصوتية أن المسؤولين الإيرانيين يفرحون فرحاً شديداً بتعيين فيدان من قبل أردوغان رئيساً للمخابرات ويصفونه بـ”تعيين القرن” بالنسبة لهم. وعلينا ألا ننسى أيضاً أن أردوغان يصف إيران بـ”بيتي الثاني” وفيدان بـ”كاتم أسراري”.
وانطلاقاً من ذلك نقول بصراحة دون أي التواء واعوجاج: إن قضية تنظيم السلام والتوحيد كانت تستهدف الكشف عن الجواسيس الإيرانيين الذين تعوّدوا التسلل والتغلغل في مؤسسات الدولة عبر استغلال شعار “الإسلام السياسي” و”الراديكالية الإسلامية” بدلاً عن هويتهم الشيعية الظاهرة ومن ثم تطهير الدولة منهم. ولكن بالتزامن مع بدء تحقيقات الفساد والرشوة الكبرى في عام 2013 تم إغلاق ملف هذه القضية مع ملف قضية الفساد بفضل المحاكم التي أسسها أردوغان.
وعقب “شراكة” بين السلطة السياسية المتورطة في أعمال الرشوة والفساد والمجموعة الإيرانية المتورطة في فعاليات التجسس، بدأت عمليات انتقامية ضد قيادات ورجال الأمن الكاشفين عن “الفاسدين” المحليين و”الخونة” الإيرانيين. فهذا هو السبب الحقيقي وراء كل هذه الضجة والصخب في تركيا منذ أكثر من عامين.
وليس عبثاً أن يصرخ أحد قيادات الأمن المعتقل مؤخراً في وجه وسائل الإعلام: “أبناء العجم في الخارج بينما أبناء الوطن في السجن”، وصرخ آخر قائلاً: “قلنا للإيرانيين ’كش ملك‘ فمات الملك… والآن يحاولون صفعنا…”
وبعد ذلك نختتم بإضافة أسئلة جديدة إلى الأسئلة التي طرحها الخبير في شؤون الشرق الأوسط والقضايا الإيرانية الكاتب الصحفي كريم بالجي في مقال نشره قبل عام بعيْد الكشف عن قضايا الفساد والرشوة:
– ما مصير الإيرانيين الذين ألقي القبض عليهم، باعتراف السلطات الرسمية، أثناء أحداث “جزي بارك” في ميدان تقسيم؟!
-وكذلك ماذا صار للسيدات العاملات لصالح إيران والتي تبيّن أنهنّ من زرعْن أجهزة تنصت في مقر رئاسة الجاليات التركية الواقع بمبنى رئاسة الوزراء.
-وماذا حصل للجواسيس الإيرانيين المقبوض عليهم في تلك الفترة أيضاً بتهمة تبادلهم المعلومات مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي؟!
-وهل كانت هناك أسباب أخرى “عاطفية” (متعلقة بحبّ المال)، إضافة إلى المبررات الواقعية حينما رفضنا فرض الحظر ضد إيران في مشروعها النووي بمجلس الأمن الدولي على الرغم من مواجهة العالم أجمع؟!
-وما هو المبلغ الحقيقي للأموال الإيرانية التي تم تبييضها وغسلها في “الحمام التركي” عبر رجل الأعمال التركي ذي الأصل الإيراني رضا ضراب.
-وكيف يتمّ الحفاظ على حسن العلاقات التركية الإيرانية، مع وجود هذا الكمّ الهائل من القضايا المختلف فيها بخصوص السياسة التي ينهجها الطرفان إزاء الأزمة السورية؟!
-وإن كانت إيران قد تمكّنت من بسط نفوذها على بلدنا إلى هذه الدرجة فلماذا لم يتمّ اتخاذ التدابير الكفيلة بالحيلولة دون الاعتماد على إيران فقط في موارد النفط والغاز الطبيعي؟!
أما السؤال الحاسم الذي يطرح نفسه هنا فهو: هل لنا أي نفوذ في إيران وأي حضور يُذكر في مناطق النفوذ الإيراني؟!