بقلم: ممتاز أر توركونا
ما الذي ستشعرون به عندما سيُحاكم أردوغان وشركاؤه؟ .. سيكون موضوعاً آخر مهما حين نرى في الصحف وقنوات التليفزيون أنباء محاكمة أردوغان وحاشيته من الذين اقترفوا الجرائم بعد أن كانوا في السلطة.
إن المشهد الماثل أمامي هو كالآتي: حين يتم إخراج المجرم من تحت الأنقاض وهو مصاب بالجروح ستتجه أنظارنا إلى مشاهد الأنقاض التي تنفطر لها القلوب. إنها أنقاض الدولة العظيمة! ولا يمكن ألا يُعاقب المجرمون إذ إن الخراب كبير جدا.
إنهم يتذرعون بإظهار بعض المسوغات للقيام بالعملية ضد شراكة بنك آسيا، وذلك بطريقة غير عقلانية وغير منطقية. وأي بنك في تركيا بإمكانه إظهار شراكة الشفافية المقنعة التي تتمثل بطوابير الناس الذين اصطفوا لإيداع الأموال في شُعبه وهم متمسكون بهذا البنك؟
وإن موضوعنا الأساسي أكثر إيلاما. فعلى الأقل يتم استهداف رأس المال الأخلاقي المتراكم من خلال التضحيات التي قدمها طوال سنين عديدة لثلاثة أجيال. وقد بقي هذا المجتمع طوال أجيال عدة بعيدا عن الحكومة. فقد رأى أصحاب النفوذ العلمانيون ذوو التوجهات الغربية أنهم يمتازون بإدارة الدولة بحجة الدين والتدين لدى شعبنا. كان الشعب جاهلا! ورجعيا! وغارقا في الخرافات! لكن المثقفين من هذا الشعب كانوا صامدين في وجه محدثي النعمة من أصحاب النفوذ. الشعب الذي لطالما ناهض احتكار الدولة بذل كل ما بوسعه من أجل توعيه الأجيال القادمة بأفضل السبل. الديناميات الاجتماعية التي أوصلت العدالة والتنمية إلى السلطة كانت ثمرة هذه الجهود التي بُذلت في الستينيات والسبعينيات وسط العوز وقلة الإمكانيات. ولابد أن أصحاب النفوذ من العدالة والتنمية قد مروا بتلك المحنة العصيبة. فالمتكبرون اليوم هم الذين كانوا مظلومين بالأمس. وقد كان المجتمع ينتظر منهم الكثير، وقد دعمهم كثيرا ما أن أُتيحت لهم الإمكانيات. كلنا اليوم نشعر بخيبة أمل كبيرة وتذمر.
إن الحكومة التي تحولت إلى شبكة مصالح بعد أن وجدت فرصة بدأت تضرب على من حملوها إلى السلطة بالعصا. وقد كان أردوغان منذ 20 عاما من بين الذين يقفون في الطوابير التي تصطف أمام بنك آسيا. لكنه اليوم يعمل على إخماد موقد الذين كانوا يقدمون له الحساء.
هذه المغامرة الشاقة التي تمتد من القاعدة الشعبية إلى قمة الدولة كان بإمكانها أن تتحول إلى نصر مؤزر وتقلب علاقة الشعب بالدولة رأسا على عقب. فقد ذهبت جهود الشعب على مدى 3 أجيال سدى بسبب الأهواء الديكتاتورية لشخص واحد.
سيُحاكم أردوغان وشركاؤه في وقت قريب، لكن من يدري بعد كم من الأجيال ستتاح هذه الفرصة لدولتنا مرة أخرى؟ فالنداء الأخلاقي لأجيال ثلاثة كانت كالقابض على الجمر قد طُمرت في تراب القصر. وبذلك فقدت مقدساتنا معانيها وأهدافها بل اختفت من الوجود في سبيل حب السلطة غير الخاضع للسيطرة. فيا للأسف! أليس من السذاجة اكتساب صفة المجرم الديكتاتوري بدلا عن منح الحكم للشعب وترك أثر خالد؟
يقال إن وقف المعارف سيستحوذ على المدارس الموجودة خارج البلاد. وأن الدولة هي التي ستنشئ هذا الوقف الذي سيدير المدارس ويعطي الدروس. وهل كانت الجهود التي بذلتها الدولة قليلة في سبيل تصفية الأوقاف التي كانت كورم سرطاني في جسم الدولة في التسعينيات؟ وما الفائدة المرجوة من إنشاء الدولة للوقف سوى تحقيق مصالح البعض؟ أين هي الدولة التي تحترم “الوقف الحكومي” وتعتبره مؤسسة مدنية؟
وصلنا إلى نهاية المطاف. فالمنظومة الاقتصادية للدولة ما عادت تعمل. لأن السلطة الاقتصادية” الموازية” – غير القانونية- المبنية على المصالح التي شكلها أردوغان في القصر الأبيض تعرقل عمل المؤسسات الاقتصادية. وما عادت قوة أردوغان كافية للوقوف أمام الدولار، وما عاد بإمكانه أن يحول دون هبوط أسهم البنوك في البورصات. ولم يعد قادرا على إيجاد بلسم شافٍ لقطاع الإنشاءات. حتى الجبل لا يحتمل كل هذا الظلم والتعسف.
إن الذين لايتقنون الديكتاتورية لابد لهم أن يمثلوا أمام القضاء مع جميع شركائهم. ولابد أن يأتي يوم يعلم فيه الذين سيتحولون إلى أنقاض والذين سيسودُّ مستقبلهم ويقل اعتبارهم أن الجرائم لاتغطى بالجرائم.
إن القصور الفاخرة ومظاهر الأبهة هنا وهناك والانتهاك المتعمد للقوانين والمظالم تزداد للتستر على العجز. ولن يعلموا بعجزهم إلا في نهاية الدرب.