كوباني (سوريا) (رويترز) – يحتفل الأكراد بطرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة كوباني السورية.. لكن النصر مازال بعيد المنال في سعيهم لانتزاع منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا.
فقد دمرت مئات الغارات الجوية التي شنتها مقاتلات التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة المدينة ذات الأغلبية الكردية التي تتخبط على غير هدى وسط منطقة يسيطر عليها التنظيم المتشددة. كما أن اعتراض تركيا المجاورة والولايات المتحدة على إعلان منطقة حكم ذاتي للأكراد في سوريا سيصعب عليهم الحفاظ على مكاسبهم.
كانت وحدات حماية الشعب قد استعادت المدينة الأسبوع الماضي بعد حصار فرضته الدولة الإسلامية على مدى أربعة أشهر مما ألحق هزيمة نكراء بالتنظيم الذي يسيطر على أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع في سوريا والعراق.
غير أن حلاوة النصر تمتزج بالمرارة عند الأكراد إذ أن نحو 200 ألف شخص هم تقريبا كل سكان كوباني مازالوا لاجئين في تركيا.
لكن الحماسة تملأ نفوس الكثيرين. وكان الرقص والهتاف تعبير عشرات عن فرحتهم حين تجمعوا في أواخر الأسبوع الماضي عند المعبر الحدودي التركي ليعودوا إلى المدينة غير آبهين بأطلالها المطلة على مرمى أبصارهم.
دمرت المعارك والقصف العنيف أغلب أحياء مدينة كوباني حيث لا تزال القذائف الحية ملقاة في الشوارع بالإضافة إلى هياكل السيارات المدمرة.
ويجوب مقاتلون فرادى من وحدات حماية الشعب الأحياء بزيهم القتالي بينما تدوي أصداء القصف والرصاص من على بعد. وانتقل القتال حاليا إلى مشارف المدينة سعيا للسيطرة على نحو 400 قرية سيطر عليها التنظيم خلال اجتياحه شمال سوريا في سبتمبر أيلول الماضي.
وقال إدريس نعسان وهو مسؤول كبير في كوباني “هذا نصر للشعب السوري لكنه خطوة أولى… لابد أن نستمر حتى نقضي على داعش (الدولة الإسلامية). فإن هم بقوا في سوريا أو العراق أو أي مكان آخر في العالم فسيهاجمونا من جديد.”
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يرصد مجريات الحرب السورية من بريطانيا إن التنظيم المتشدد لا يزال موجودا في مناطق ريفية على بعد أكثر من عشرة كيلومترات من المدينة.
وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد “الدولة الإسلامية جلبت بعض المقاتلين من ريف حلب إلى القرى المحيطة بكوباني” وأشار إلى أهمية التركيز على الهجمات التي تشنها القوات الحكومية في أنحاء البلاد مع دخول الحرب عامها الخامس.
وقال المرصد اليوم الجمعة إن ما لا يقل عن 70 شخصا قتلوا في ضربات شنها الطيران السوري على منطقة تسيطر عليها المعارضة خارج دمشق عقب هجمات صاروخية من جانب مقاتلي المعارضة أصابت وسط دمشق الخاضع لسيطرة القوات الحكومية.
وأودت الحرب الأهلية منذ بدايتها في صورة انتفاضة شعبية على حكم الرئيس بشار الأسد في مارس آذار 2011 بحياة أكثر من 200 ألف شخص وشردت نحو ثلاثة ملايين سوري.
* ثورة
في ساحة الحرية حيث لا يزال تمثال النسر صامدا محاطا بمبان عالية سويت بالأرض وشوارع مليئة بالحفر قال أنور مسلم رئيس المجلس التنفيذي في كوباني لرويترز إن معركة استرداد المدينة أضعفت الدولة الإسلامية بعد أن راح فيها أفضل مقاتليها وفقدت معظم أسلحتها الثقيلة.
وأضاف “سيهاجمون مرة أخرى… التحالف دعمنا بالسلاح والضربات الجوية ونأمل أن يستمر في هذا حتى نتمكن من القضاء على داعش.” وقال إن قوات البشمركة الكردية العراقية وعددا قليلا من فصائل الجيش السوري الحر لا تزال في كوباني.
ويمثل تعاون الجيش السوري الحر مع الأكراد نقطة تحول بعد الاشتباكات السابقة بينهما. وفي الشهر الماضي اشتبكت القوات الحكومية السورية أيضا مع الأكراد منتهكة اتفاقا ضمنيا بينهما على التركيز على الأعداء الآخرين في الحرب.
واستولى الأكراد الذين يؤيدون النظام الاشتراكي ويدعون إلى المساواة بين الجنسين على كوباني عام 2012 بعد انسحاب قوات النظام السوري منها وأصبحوا يشيرون إليها باسم ثورة روجافا أي الثورة الغربية. وتخضع أيضا لسيطرتهم منطقتان أخريان في سوريا يغلب الأكراد على سكانهما. ويقول الأكراد إن المنطقة يعيش بها نحو أربعة ملايين نسمة.
وقال مسلم “هذا النصر يعني الكثير لثورة روجافا. حين ألحقنا الهزيمة بداعش في المدينة نزعنا الخوف من بقية أجزاء روجافا.”
ويتصدى أيضا أكراد العراق لهجمات جديدة يشنها تنظيم الدولة الإسلامية ويشكون من كونهم الطرف الأقل تسلحا.
وقال موتلو شيفير أوغلو خبير الشؤون الكردية في واشنطن “وحدات حماية الشعب أثبتت أنها الأكثر فعالية على الأرض في مواجهة داعش.”
وأضاف “الهزيمة في كوباني وجهت صفعة قوية لسمعة داعش بأنها قادرة على أخذ أي مكان تريده وستشجع المزيد من الناس على القتال.”
ونقل عن المرصد ووحدات حماية الشعب أن نحو 3700 مقاتل في الدولة الإسلامية و400 من وحدات حماية الشعب قتلوا في كوباني.
وقال إن معظم القتلى الأكراد أتراك.
ويعطي هذا مصداقية لما تردده تركيا من أن وحدات حماية الشعب هي ذراع حزب العمال الكردستاني الذي شن حربا طيلة 30 عاما على الحكومة التركية سعيا لانتزاع حكم ذاتي لكنه يسعى حاليا لعقد اتفاق للسلام.
وحذرت تركيا مرارا من أنها لن تسمح بحكم ذاتي كردي على حدودها مع سوريا وربما كانت تشعر بالقلق من أن يعزز نصر الأكراد في كوباني موقف حزب العمال الكردستاني على طاولة المساومات.
وتعارض واشنطن أيضا الحكم الذاتي الكردي خشية أن يقسم المعارضة السورية ونظرا لصلات وحدات حماية الشعب بحزب العمال الكردستاني المدرج على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية رغم أنها تفرق بين الجماعتين وقامت بتنسيق الجهود مع وحدات حماية الشعب لطرد مقاتلي الدولة الإسلامية من كوباني.
*موطئ قدم
وعلى الرغم من انعدام الثقة يدرك الأكراد أن الحكومة التركية هي شريان الحياة بالنسبة لكوباني وسط محيط يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية ذلك إن احتفظوا بما حققوه من موطئ قدم.
قال نعسان “نأمل أن تساعدنا تركيا في إعادة إعمار كوباني… نحتاج ممرا على الحدود ليتمكن المدنيون من العودة.”
ولم يتمكن نعسان من تقدير تكاليف إعادة إعمار كوباني التي كان يسكنها قبل الحرب نحو 50 ألف نسمة ولم يستبعد بناء مدينة جديدة في مكان آخر. وقال إنه يوجد 15 ألف مدني في المدينة على الرغم من افتقارها للماء والكهرباء.
ويلوح في الأفق خطر انتشار الأمراض مع تحلل جثث مقاتلي الدولة الإسلامية بين الركام.
كما أن المستشفى المؤقت في قبو مدرسة سابقة من الشواهد الكئيبة التي تذكر بأن القتال لا يزال مستعرا.
وفي غرفة قذرة عالج الطاقم الطبي مقاتلا ومقاتلة من الأكراد من إصابات بالرصاص قبل أن يلفوهما بملاءات وينقلوهما في سيارة فان إلى الحدود التركية.
وتهدمت المستشفيات الخمسة في كوباني جراء المعارك مما يجعل تقديم المساعدة الطبية في علاج الإصابات الخطيرة منحسرا عبر الحدود داخل تركيا.
أصيب سركسويبون -وهو كردي تركي عمره 21 عاما- في سبتمبر أيلول الماضي بعد بضعة أيام من بدء حصار الدولة الإسلامية لكوباني عندما دمرت قذيفة مورتر المبنى الذي كان به.
وقال “من بين كل الانتفاضات الكردية.. كوباني هي نصرنا الأكبر. لكنها مجرد معركة واحدة في حرب طويلة جدا. عندما أتخيل المستقبل لا أرى إلا الأكراد وهم يقاتلون.”