بولنت كوروجو
حان الموسم مجددا. وبدأت أساطير 7 فبراير/شباط تنشط وتظهر وتقدَم في جدول الأعمال مثل طعام قديم يعاد تقديمه مرات عديدة بعد تسخينه. والبيانات القديمة ستؤخذ من الأرشيف وسيعاد نشرها بعد تغيير تاريخها كأنها جديدة. وما دامت الحال هكذا لابد من الوقوف على تلك الأحداث والتذكير ببعض الحقائق المتعلقة بها مرة أخرى.
أولا علينا أن نتذكر مجددا ما حدث في الماضي، ففي مساء 7 فبراير/شباط 2012 نشرت صحيفة حريت على موقعها الإلكتروني خبرا كالصاعقة مفاده أنه تم استدعاء مستشار المخابرات خاقان فيدان والمستشار السابق أمره تانر ومساعدته آفت جونيش مع اثنين من الموظفين. وكانت التهم خطيرة، حيث أُلقي القبض على موظف من المخابرات بالجرم المشهود وهو يشارك في الأعمال الإرهابية مع تنظيم اتحاد المتمعات الكردستانية بعد أن تسلل بينهم وأصبح جزءا من الجريمة. وكان المدعي العام يريد أن يسأل المسؤولين السابقين والحاليين حول هذه الادعاءات بالإضافة إلى الأدلة التي يدافعون بها عن أنفسهم. وعملية الاستدعاء المباشر عن طريق إتصال هاتفي تسربت إلى وسائل الإعلام بطريقة مجهولة. والنيابة فوجئت بالتطورات المذكورة لأنها لم تكن تتوقعها ولم تهيئ نفسها لما يمكن حدوثه وباتت في وضع حرج. ولننتقل الآن إلى الأسئلة:
ماذا كان موضوع التحقيق في 7 فبراير/ شباط في الحقيقة؟
إن أحد أكثر الأسئلة تعقيدا هو هذا السؤال: فثمة عمليتان ممنهجتان للتشويه: الأولى أن موضوع التحقيق كان مفاوضات أوسلو بين الحكومة عن طريق المخابرات وحزب العمال الكردستاني. الثاني الادعاء بانكشاف أمر عناصر المخابرات المتسربين في تنظيم اتحاد الجماعات الكردية. لنبدأ من الأول، تسريب تفاصيل مفاوضات أوسلو لم يسبب حرجا للعدالة والتنمية بخلاف ما كان يتوقعه العمال الكردستاني. وكان المجتمع مستعدا لقبول الجلوس مع التنظيم الإرهابي إذا دعت الحاجة لإنهاء الإرهاب. وإذا كانت مباحثات السلام مستمرة إلى اليوم فذلك بسبب رغبة الشعب في ذلك. كما أن 23 شخصا رفعوا دعوى قضائية وفيهم عضو من حزب الشعب الجمهوري ضد مباحثات أوسلو وجرى التحقيق في الأمر في أنقرة ثم أخلي طرف المحكمة في النظر في القضية. وقد كذَّب المدعون العموم المعنيين بقضية 7 فبراير/شباط هذه الادعاءات بلهجة أكيدة. ولنقرأ الرد على الادعاء الثاني فيما كتبه الصحفي الراحل محمد علي بيراند الذي ذكر في مقاله وقائع لقائه مع المدعين العموم: دافعوا عن أنفسهم وقالوا: “نحن لم نكشف أمر أولئك العناصر من المخابرات. ولم نخرجهم من مكان عملهم وهم يمارسون مهامهم. لكنهم قبض عليهم متلبسين بالجريمة أثناء إلقائهم قنابل مولوتوف”. وقال بيراند مستغربا ومتحيرا: “قائمة الاتهامات المرسلة من الشرطة إلى النيابة كانت مليئة بالأدلة، والمدعون العموم أشاروا إليها وقالوا متسائلين: “ماذا يجب علينا أن نفعل تجاه هذه الأدلة”؟ فأنا عجزت عن إجابتهم”
وجملة “إلقاء قنابل المولوتوف” جملة مهمة لأنها يمكن أن يقال بالفم الملآن إنه ثمة ادعاءات تفيد بأن عناصر من المخابرات قد اشتركت في جريمة قتل الشابة سراب أسر. وقد أكد هذه الادعاءات كل من حسيب كابلان من حزب الشعوب الديمقراطية وإدريس نعيم شاهين وزير الداخلية الأسبق. ولم نسمع إلى الآن تصريحا يضع النقاط على الحروف. وكانت المخابرات قد أكدت بالمعلومات التي أرسلتها إلى المحكمة صحة ادعاء بأن المدعو (أ.س) يعمل لصالح جهاز المخابرات وكان قد اعتُقل أثناء إلقائه قنابل المولوتوف.
وفي ذلك اليوم شدد محمد يلماز في جريدة” حريت” على التفريق بين موضوعين: “هذه ادعاءات خطيرة ويجب التحقيق فيها بشكل جاد. فلقاء المسؤولين من المخابرات بقياديي العمال الكردستاني وإبرام بعض الاتفاقيات معهم بناء على طلب الحكومة لإنهاء العمليات الإرهابية المسلحة شيئ ومشاركة بعض العناصر من المخابرات في بعض الجرائم شيئ آخر! فإن خرج فعلهم عن إطار جمع المعلومات الاستخباراتية وعن اللقاءات باسم الدولة حسب تعليمات الحكومة فيجب حينها أن يعلم الجميع سبب ذلك”.
ماذا لو دخل أردوغان غرفة العمليات قبل 15 دقيقة؟
أكثر ما يحرك العواطف في عملية الإدراك هو ما يتعلق بصحة أردوغان، وقد كرر رئيس دائرة الأمن والمخابرات صبري أوزون ذكر نفس السيناريو في كتابه وكأنه حقيقة. حيث قال: “والغريب أنه في وقت استدعاء مستشار جهاز المخابرات خاقان فيدان لسماع أقواله كان من المفترض أن يكون أردوغان على سرير العمليات ولما تأخرت العملية 15 دقيقة علم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان (آنذاك) بموضوع استجواب المستشار(وفعل اللازم للحيلولة دون تلبية طلب المدعين العموم”. مع أن الحقيقة هي أن العملية الجراحية أجريت لرئيس الوزراء حينها أردوغان قبل 74 يوما من 7 فبراير أي في 26 نوفمبر/تشرين الثاني. وكان 7 فبراير/شباط يوما حافلا بالعمل بالنسبة لأردوغان. فقد أطال خطابه لكتلة حزبه في البرلمان ثم انتقل إلى إسطنبول ليشارك في صلاة الجنازة على إبراهيم صوباشي وحمل نعشه ثم عاد إلى أنقرة لأنه كان سينضم في اليوم التالي إلى اجتماع مهم. ثم اجتمع مع محافظي المدن في أنقرة وخاطبهم حول مكافحة الإرهاب. وتحامل على حزب السلام والديمقراطية وعلى شبكة أرجينكون منوها بأن الجنايات مجهولة الفاعل تتصل بهما. وفي 9 فبراير تركزت المباحثات المكثفة على أزمة المخابرات. حيث التقى بوزرائه ومستشار المخابرات خاقان فيدان. ثم ذهب إلى القصر الرئاسي والتقى بالرئيس عبد الله جول. ولم يغفل عن برنامجه المحدد من قبل: حيث استقبل كلاً من رئيس هيئة الأركان العليا للجيش التركي نجدت أوزل، ورئيس اتحاد الجمعيات التركية نوري جورجور، وأعضاء جمعية خريجي مدارس الأئمة والخطباء. وفي 10 فبراير اشترك في جنازة المؤرخ يلماز أوزطونا بالإضافة إلى أعماله الأخرى وفي ساعات المساء ذهب إلى مستشفى مديبول في إسطنبول وخضع للمراحل الأخيرة من العملية الجراحية التي أجريت له في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وفي تصريح خطي لرئاسة الوزراء ذُكر أن العملية استغرقت 30 دقيقة فقط. وخرج أردوغان من المستشفى بالسيارة الرسمية بعد بقائه في المستشفى مدة ليشاهد مع الأطباء مباراة فنربهشه ونادي كارابوك. وكما يبدو فإن القصص والروايات التي تبدأ بمقولة: “ماذا كان يحدث لو لم يتأخر طبيب التخدير وجاء قبل 15 دقيقة…” ملفقة وعارية عن الصحة تماما.
وهناك معلومات ظهرت مؤخرا. فقد أفاد مدير شعبة مكافحة الإرهاب حينها يورت أطايون أمام المحكمة: “في لقائي بأردوغان أعلمته شخصيا بأني جهزت ملفا خاصا بعناصر المخابرات المتورطين بالجرائم في عمليات العمال الكردستاني الإرهابية وتنظيم اتحاد المجتمعات الكردستانية التي باتت تُعرف باسم أزمة 7 فبراير”.
وقد ذكر أطايون بأن محافظ إسطنبول حينها حسين عوني موطلو ومدير الأمن حسين تشابكين شاهدان على ذلك. ولم يصرح أردوغان لماذا لم يتدخل في العملية ليمنعها كما لم يكذب هذه الإفادة. فلا يقولن أحد إن القضاء مستقل، لأنه غير مقنع بعد ما فعله أردوغان إثر الكشف عن ملابسات التحقيق.
هل صدر قرار باعتقال خاقان فيدان؟
إننا نواجه إحدى أكبر الأكاذيب الموثرة في هذه المرحلة. مع أنه يمكن لمن يريد معرفة الحقيقة والتوصل إلى المعلومات الصحيحة من بين المعلومات المضللة بمجرد النظر إلى صحف ذلك اليوم. وقد اتصل المدعي العام شخصيا بالمستشار خاقان فيدان عبر الهاتف ودعاه للاستجواب. ثم انكشف اللثام عن الملف وتفاقمت الأزمة حيث صدرت مذكرة اعتقال للموظفين الآخرين ولكن تمت مراسلة النيابة العامة في أنقرة من أجل السماح لخاقان فيدان بتقديم إفادته دون المجيء إلى إسطنبول والحضور أمام المدعين العموم. ورغم ذلك لايزال هناك من يدعي كذبا أنه صدرت مذكرة اعتقال وتوقيف بحق خاقان فيدان.
هل كان رئيس الوزراء أردوغان سيُعتقل؟
مرحلة التحقيق في قضية الفساد والرشوة في 17-25 ديسمبر/كانون الأول 2013 أنهت أسطورة 7 فبراير/شباط أيضا. لأن الذين يعرفون الدستور والقوانين يشعرون بأن ادعاء “كان أردوغان سيُعتقل” ادعاء مضحك. فلا يمكن إبلاغ المحكمة بمذكرة اعتقال أي وزير أو رئيس الوزراء قبل اطلاع اللجنة المختصة لتقصي الحقائق في البرلمان عليها وقبل إحالة الملف في المجلس العام للبرلمان إلى محكمة الديوان العليا. وبعد كل هذه المراحل الصعبة فالمحكمة التي ستحال إليها الملفات المتعلقة بأعضاء الحكومة هي المحكمة الدستورية. وكيف يمكن لمن له ذكاء متوسط أن يقتنع بأن حزب العدالة والتنمية الذي لم يفرط بعضو مثل أجمان باغيش (الذي له اتهامات تستند إلى أدلة قوية) كان بامكانه أن يسمح بإحالة رئيسه رئيس الوزراء أردوغان إلى المحكمة العليا.
وسنرى في هذا الأسبوع الذي يصادف 7 فبراير/شباط ما إذا كان الإعلام “المخدِّر” سينشر منتجا جديدا أم لا؟ لا أظن ذلك، فهم لن يفعلوا غير إعادة طلاء المنتجات القديمة ليعرضوها على الزبائن وكأنها جديدة في هذه المرة أيضا.