محمد كاميش
تم الإفراج عن رجال الشرطة الذين اعتُلقوا في مدينة إزمير. وحتى لو فسرتم القوانين التركية على أسوأ وجه فلن تجدوا ما يستوجب عقوبة رجال الأمن والشرطة المذكورين. لأنهم نفذوا ما يأمر به القانون وكشفوا النقاب عن عصابة متورطة في اختلاس الأموال العامة. وطبعا رجال الشرطة و المدعون العموم الذين لاحقوا اللصوص لم يكونو على علم بالمراكز التي تمتد إليها جذور هذه العصابات.
نحن نعيش مرحلة هزلية مفضوحة وصلت إلى ذروتها مع عمليات الكشف عن الفساد في 17و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 مع أنها بدأت قبل وقت طويل. وتختفي كل المنظومات في البلد كما يشاء الرئيس رجب طيب أردوغان.
فالسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية كلها صارت تحت سيطرة رجب طيب أردوغان. وبذلك يمكن إصدار قوانين مخالفة تماما للدستور وعرضها على البرلمان باسم “الحزمة”. وحتى أبسط الحقوق الديمقراطية تُسلب من المواطن وتُعطى للدولة. وأصبحت الدولة هي صاحبة الأولوية في كل شيئ وبسبب القوانين الصادرة حسب هوى الأشخاص ورغباتهم الخاصة أصبحت تركيا أكثر الدول إصدارا للقوانين في العالم. وبسبب الرقابة المطلقة للتشريع فإن كل الأعمال الإجرامية خرجت عن كونها جرائم وأصبحت قانونية.
أما التنفيذ فهو أصلا بيد أردوغان فكل كبيرة وصغيرة في وزارة الداخلية ووزارة المالية ووزارة التربية والتعليم وغيرها من الجهات الرسمية تعمل وفق تعليماته. ولا داعي أصلا للحديث عن هذا في المرحلة التي وصلنا إليها والظروف التي نعيش فيها. والمؤسسة التي وصل إليها أيضا الفساد هي القضاء. وهذا بمثابة فساد الملح الذي لاينبغي أن يفسد أبدا ولو فسد كل شيئ. فالقضاء أهم قوة يجب أن تقف في مواجهة الفساد الذي يقوم به المسؤولون في الدولة. لكن القضاء بكامله أصبح تحت سيطرة أردوغان الذي ينقل أي مدَّعٍ عام إلى المكان الذي يشاء، ويفعل ما يشاء من أعمال غير قانونية عبر من يختارهم من المدعين العموم. ويحقق النتيجة التي يريدها من كل الأعمال الإجرامية كما جرى في قضية علي إسماعيل كوركماز. وحسب رغبته لايزال هدايت كراجا مسجونا منذ 53 يوما دون أية تهمة تدينه. ومن خلال القوانين المخالفة للدستور أصبح جانب كبير من المحكمة العليا تحت سيطرته كذلك. ولم ير أحد أن المحكمة الدستورية قامت بفعل شيئ أكثر من إصدار بيانات ديمقراطية، مع أنها الجهة الوحيدة التي يمكنها مقاومة هذه الانتهاكات للقانون.
لكن المسألة الأساسية أن الجميع يشاهدون ما يجري من حولهم من الإجراءات الفردية مذهولين وكأنهم مسحورون. ومن الصعوبة بمكان فهم السبب في تشجيع شخص دون الانتباه إلى الأحداث الجارية والوقوف على كنهه كتشجيع فريق رياضي. ولايبدو أي طلب أكيد في الأوساط المتدينة بسيادة العدل والمبادئ والقانون. ولايفكر كثير من الناس كيف تكون عاقبة ترك اتخاذ القرار في كل ما يهم المواطنين والبلد إلى إنصاف شخص وحيد وما تلفظ به شفتاه حسب حالته المزاجية المتقلبة لحظة بلحظة أو يوما بيوم أو فترة بفترة فهو يتحدث ويتصرف في كثير من الأحيان بغضب وكراهية.
وكما كتب عبد الحميد بيليجي مدير وكالة أنباء جيهان التركية للأنباء يوم أمس فإن أردوغان يدلي بتصريحات متناقضة تماما بين الحين والآخر. لكن هناك أناس كثيرون يؤيدونه ويدافعون عنه بنفس الحزم مهما قال دون التأمل فيما يقوله مطلقا.
وعلى الرغم من سيطرته الكاملة على قوى التشريع والتنفيذ والقضاء إلا أن ذلك كله لا يكفي لرئيس الجمهورية. بل يطالب بمزيد من الصلاحيات والقوى. فهو يسعى لإسكات أضعف الأصوات المعارضة، واتهام كل من لا يبالغ في مدحه، والافتراء عليه والصراع معه. والمعاملات التي يتعرض لها الذين يتساءلون عما يجري تذكرنا بعهد النازية.
فيا أيها الذين يخافون على مناصبهم أثناء مشاهدتهم لما يجري من أحداث، ويا أيها الذين يفكرون فيما يطمعون من مناصب عضوية مجالس إدارات الشركات والمؤسسات والوظائف الرفيعة أو حتى الدنيئة التي يأملون في نيلها، أو عضوية البرلمان، أو المناقصات التي يرغبون الحصول عليها، ألا تشعرون بأنكم تشبهون الموظفين الذين يقبضون الرشاوي أثناء غرق سفينة” تايتنك” Titanic ؟