بقلم:أكرم دومانلي
أرجو منكم أن تلقوا نظرة على مواد القانون التي يناقشها الرأي العام في تركيا منذ أشهر فسترون أن أغلبها يهدف إلى إلغاء تصنيف جريمة ما ضمن الجرائم تفادياً للعقوبة المنصوص عليها في الدستور أو القوانين. إذ يريدون إنقاذ الناس الذين تمّ دفعهم ليكونوا “مجرمين” عن طريق الحزم القانونية الجديدة. وهذا يعني أن الفريق الذي يحاول تنفيذ عملية الإنقاذ هذه يعرف الجريمة المرتكبة حالياً ويعرف كذلك مرتكبيها. لكن هل يمكن لجهاز الدولة الذي فككوه قائلين “إن لم تكن هناك قوانين فاستحدثها” أن ينقذَ أولئك المتآمرين وأصحاب المكائد بهذه الطريقة الغاشمة؟ بالطبع لا! لايمكن! والسبب أن مَن يرتكب الجرم ومَن يحرّض عليه يضطران يوماً بصورة حتمية للمحاسبة والمحاكمة.
إن محاولة الحزب الحاكم في تركيا إغراق بنك آسيا أمر مخالف للقوانين. ولاشك في أنه ارتكب جريمة كلُّ من ألقى بيانًا متهورًا بشأن هذه القضية، وأذاع هذه الادعاءات غير المعقولة على شاشات التلفاز، ونشر الأخبار والمقالات من أجل إغراق بعض المؤسسات، وأجبر بنكًا على الإفلاس من خلال إجراءات مخالفة للقانون. فمن ارتكبوا الجرائم بشكل متهور في الماضي يبحثون اليوم عن حيلة للخروج من المأزق الذي وقعوا فيه.
إنهم لايحاولون تبرئة الإجراءات والممارسات غير القانونية لهيئة الإشراف على العمل المصرفي وهيئة سوق المال فقط من خلال قانون رأس المال الجديد، وإنما يحاولون تبرئة الإعلام المؤيد لهم وللحكومة أيضًا. فالذين مارسوا الضغوط على كبار الموظفين، والذين خضعوا لهذه الضغوط، والذين نشروا أخباراً متضاربة ومفبركة.. كل هؤلاء ارتكابوا جرائم ولا يمكن أن ينقذهم أي قانون من قبضة العدالة ولن يغفر لهم التاريخ كذلك.
أذكر مثالًا آخر: لقد أجروا تحقيقات قضائية وإدارية في جهاز الأمن عقب الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة من أجل أن بستطيعوا تصفية بعض الكوادر. وقد أطلق سراح الأغلبية الساحقة ممن مثلوا أمام القضاء بالرغم من الاستعراض والضجة التي أثاروها أثناء عملية الاحتجاز. أما المعتقلون منهم فينتظرون المحاكمة لعدم كتابة لائحة الاتهام إلى الآن. والذين نحّوا مبدأ “القاضي الطبيعي” جانباً وعلّقوا العمل بنظام العدالة عندما فشلوا في الوصول إلى النتائج التي كانوا يرجونها رغم كل الضغوطات التي مارسوها على العاملين بالسلك القضائي بادروا هذه المرة إلى فرض غرامات من خلال تحقيقات إدارية. ويعرف الجميع عيانًا بيانًا مَن الذي يدفع المفتشين لهذا وكيف يفعل ذلك. ولا حدّ ولا حساب للعقوبات الجائرة. وقد ظهر في العديد من التقارير أن هذه العقوبات سياسية وليست قانونية وأن المفتشين تجاوزوا صلاحياتهم وصاروا يتصرفون كالمحاكم.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن عدم الاعتراف والالتزام بالقوانين والنظام أدى إلى إشراك “منفذي الأوامر” في الجرم. والآن يبحثون عن طريقة لحمايتهم، فيوزعون عليهم ألقاباً، ويقدمون لهم مناصب تصونهم. ومن الواضح ما هو سبب كون معظم مدراء الأمن المعيّنين مؤخرًا من المفتشين. وهل تظنون أنه عندما تعود المياه إلى مجاريها لن يحاسَب مَن ارتكبوا جرائم ومَن كلفوهم بذلك؟
لايمكن أن تنسينا الموادُ الوقائية التي وضعوها في الحزمة الأمنية أولئك الذين ارتكبوا الجرائم في حقبة انتهكت فيها كل القوانين.
تبرئة المتهمين في تركيا بحزم القوانين
ظهر أننا على أعتاب مرحلة جديدة في الوقت الحالي من خلال رسالة أرسلها أحد مديري الأمن إلى الكاتب بصحيفة “يني تشاغ” التركية أحمد طاكان؛ إذ ينقل مدير الأمن جميع التفاصيل الخاصة بأحد الاجتماعات مِن اسم المكان والمشاركين ومواد الأجندة وما إلى ذلك. وتظهِر الفكرة الرئيسة التي تم التوصل إليها في ختام الاجتماع أن الدولة تستعد لتنفيذ سيناريو مرعب. إذ يؤكّدون لمجموعة من مديري أمن من الدرجة الثالثة والرابعة بلغ عددهم 45 شخصًا اختيروا من داخل جهاز الشرطة أن مفاوضات السلام الخاصة بالقضية الكردية قد وصلت إلى طريق مسدود وأنه وقع الاختيار على نوع من الكفاح “الدامي”. ويفيدون بأن التعيينات الجديدة تستهدف تحقيق هذا الهدف ويشرحون المهام الجديدة للشرطيين الأربعة والخمسين ويصدرون لهم تعليمات بـ”الهجوم الكاسر دون هوادة”!
ويرد في هذه الرسالة التي تتحدث عن هذا السيناريو المخيف مَن ترأس الاجتماع ومَن شارك كمحاضر. وقد حضر الاجتماع عدد من المسؤولين الأمنيين الذين جاء في مقدمتهم مساعد مدير الأمن مصطفى جولجو وسائر مساعدي مدير الأمن الآخرين، ومسؤولي وحدة مكافحة الإرهاب والاستخبارات والقوات الخاصة ومكافحة التهريب وغير ذلك. كما ترد أسماء مثل المدير العام للأمن جلال الدين لكاسيز ومساعده زكي تشاتالكايا.
لقد كتب طاكان كل هذه التفاصيل يوم 25/1/2015، ولم يأتِ أي رد رسمي إلى اليوم؛ إذ لانرى من يولي اهتماماً لهذا الادعاء المفزع حتى أولئك الذين يجلسون على طاولة المفاوضات مع الدولة ويتساومون معها في شأن “القضية الكردية” و”مفاوضات السلام”. أليس الأمر عجيباً ومثيراً؟ فهل يتورّط المسؤولون الأمنيون في أحداث ظلامية قائلين: “إنقاذ الوطن بين أيدينا” كما كان الوضع في تسعينيات القرن الماضي؟ وإن تورطوا مجدداً في مثل هذه الأحداث فمن ذا الذي يحميهم؟ كيف يمكن لمن يصدرون تعليمات قائلين “لاداعي لحكم قضائي، اكسروا الباب وألقوا القبض على ذلك الرجل… ولاتخافوا فإذا استلزم الأمر سنضع حتى قوانين جديدة لنفي وصف التهمة عنكم…”،ويساهمون بذلك في تنفيذ إجراءات مخالفة للقانون.. نعم كيف يمكنهم أن ينقذوا أنفسهم ويحموها، ناهيكم عن أن يحموا أناسًا آخرين؟
عندما تبين تورّط بعض عملاء الاستخبارات في جرائم أصدروا قانوناً خاصاً وربطوا التحقيق معهم بشرط تصريح خاص. واعتبر البعض ذلك مخرجاً لهؤلاء. أجل، صحيح يمكنهم إنقاذ أنفسهم لبعض الوقت من خلال هذا النوع من القوانين. بيد أن الجريمة ستظل جريمة على الدوام، وستظل تلازم المجرم كظله ويخيم عليه كالكابوس في يوم من الأيام.
لايمكن لأي مسؤول أن يصدر أوامر مخالفة للقانون وفق القوانين المعمول بها حالياً. وإن أصدروا فليس الموظّفون مضطرين لتنفيذها. فاستصدار أصحاب القرار القوانين بشكل متلاحق ومحاولتهم تبرئة المتهمين من خلال الحزم القانونية وهم تسيطر عليهم مشاعر الخوف والهلع، لهو أكبر دليل على أن ما يقومون به يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ولو لم تكن جريمة لما كانوا قد شعروا بهذا القدر من الخوف والرعب.