إزمير( تركيا) (زمان عربي) – أكد أستاذ الفكر الإسلامي السياسي بجامعة تعز اليمنية الدكتور فؤاد البنا أن العلماء هم مضغة الأمة وأنه في حالة فساد الحكام لا يبقى للأمم إلا العلماء ينيرون طريقها وأنه لذلك يقع عليهم واجب أخلاقي أكبر من غيرهم .
وتناول البنا تدابير القدر في ظهور وترعرع حركة الخدمة التركية التي تستلهم فكر الأستاذ محمد فتح الله كولن، قائلاً: “إن الشمس تشرق دائماً من الشرق، إلا في حالة تركيا المعاصرة فقد أشرقت شمسها من الغرب، من مدينة إزمير، هذه المدينة الواقعة في غرب تركيا حيث بدأ الأستاذ كولن دعوته فيها وأشرقت أنواره على كل أنحاء تركيا“.
جاء ذلك خلال مشاركة الدكتور البنا في مؤتمر دولي بعنوان “القيم الأخلاقية حُرمتها ومكانتها”، نظمته مجلة حراء التركية الصادرة باللغة العربية بالتعاون مع شقيقتها “ييني أوميت” (Yeni Ümit) أي الأمل الجديد الصادرة باللغة التركية في مدينة إزمير غرب تركيا، بحضور واسع من العلماء المسلمين من تركيا والجزائر والمغرب والسودان واليمن وألبانيا وغيرها.
وقدّم البنا خلال المؤتمر بحثاً يحمل عنوان “الأمانة الأخلاقية للعلماء اتجاه التحديات الراهنة” نوّه فيه إلى أن العلماء هم مضغة الأمة التي إذا صلحت صلحت الأمة وإذا فسدت فسدت الأمة. وقال إنه انطلاقاً من ذلك يترتب على العلماء واجب أخلاقي أكثر من غيرهم.
وقال البنا صاحب الكتاب المسمى بـ”عبقرية فتح الله كولن بين قوارب الحكمة وشواطئ الخدمة” في كلمته خلال المؤتمر: “في كتب الحديث مقولة بعضهم ينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وبعضهم إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي: “صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء”. فالعلماء هم من يساعدون الناس في فهم النصوص الدينية من القرآن أو السنة”.
وفي معرض تعليقه على الاختلافات الظاهرة بين السلاطين والعلماء على مدى التاريخ الإسلامي الطويل، شدّد البناء على أنه “إذا افترق السلطان عن القرآن فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم الناطقون باسم القرآن الكريم والممثلون له”.
ومن ثم تعرّض لمعضلة الانقسام الحاصل بين السلاطين والعلماء خلال التاريخ الإسلامي ولفت إلى “أن الانقسام بدأ في أواخر خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. وهناك قصة رمزية تساعدنا على فهم أبعاد هذا الانقسام: فقد كان عقيل بن أبي طالب وهو شقيق الإمام علي يلتحق بمعاوية في الشام تارة، ويذهب إلى الإمام علي في العراق تارة. فقيل له “كيف جمعت بين الأمرين النقيضين؟” فوضّح ما يشير إلى بداية هذا الانقسام الذي حدث في عقل الأمة وقلبها إذ قال: “إن صلاتي خلف علي قوام ديني، وصلاتي خلف معاوية قوام دنياي”.
وأشار الأستاذ البنا إلى أن “العلماء هم لسان حال الأمة وقادة الجهاد الأبيض والفتوحات الناعمة”، وذكّر بالحديث الشريف الذي يقول “إذا هابت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها”، ثم شرح معنى الحديث بقوله: “أي صلوا عليها صلاة الغائب، إذ هي أصبحت أمة ميتة. أي أنها تؤمن في قرارة نفسها أنه ظالم ولكنها نتيجة سطوة السلطة تخشى أن تقول إنه ظالم”.
كما أعاد إلى الأذهان قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الساكت عن الحق شيطان أخرس” ثم عقّب بقوله: “فما بالنا إذا تغيرت الأخلاق وأصبح الناس يقولون عن الظالم بأنه أعدل العادلين. هذا يعني أنه لم يعد شيطاناً أخرس بل أصبح شيطاناً متكلماً أيضاً”.
بعد ذلك تطرق الأستاذ البنا إلى خطورة العلم بدون الأمانة العلمية حيث لفت إلى أن العلم بدون القيم الضابطة سرعان مايتحول إلى أداة للانتقام في أيدي السلطات والسلاطين. وقال إن البيع والشراء بآيات الله تعالى والسماع والخضوع للظالمين والمستبدين من أعراض الانتقام.
وفي إطار تعليقه على جهود علماء السوء لتسويغ وتبرير الممارسات الجائرة والجرائم الشنيعة للسلطات والسلاطين قال: “إن من أمثلة العلم بدون الأمانة العلمية الذي يتحول إلى أداة للانتقام إنتاج السامريين الذين صنعوا المجون والاستبداد والإفساد والفساد، فعندما صنع السامري العجل كان على علم بلاشكّ لكنه كان يفتقد الأخلاق. فظاهرة السامرية يمكن أن تتكرر في كل زمان ومكان، فتنتج ظلمة ومستبدين وفاسدين، ويدعى الناس لعبادتهم، مثلما فعل السامري عندما قال (هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ).
وتابع: “ومن أمثلة هذا العلم أيضا السقوط في مهاوي التزوير والقيام بدور سحرة فرعون، فهم كانوا علماء وصفوة المجتمع المصري في ذلك الزمان. وسيأتي في كل زمان من هؤلاء العلماء من يسحرون أعين الناس، ومن يسترهبونهم ومن يطوّعونهم ويعبّدونهم للحاكم الظالم المستبد”.
واختتم البنا أستاذ الفكر الإسلامي السياسي بجامعة تعز – اليمن بقوله: “إنما العلم هو الخشية كما بين ذلك سبحانه وتعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).. وأنا أقول مَن لم يعرف عظمة كرسي الله سبحانه وتعالى ستتعاظم عنده كراسي الزعماء وستتضخّم حتى يمكن أن يسجد لها من دون الله عز وجل كما نجد في نماذج العلماء الفاسدين”.