إسطنبول-تركيا (زمان عربي) – تبدو الاستراتيجية الجديدة التي يحاول حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا تقديمها للرأي العام على أنها “تركيا الجديدة” مبنية كليا على سياسة “خلق الأعداء”.
فحتى وإن أظهرت تركيا الجديدة التي يمكن وصفها بأنها استراتيجية “إن لم تكن معنا فأنت العدو”، حركة الخدمة التركية على أنها العدو الأول للبلاد، إلا أنها محاولة مخادعة واحتيال، لأن الهدف الحقيقي من وارء تلك الاستراتيجية الجديدة استهداف كل الفصائل المعارضة، أي كل من لايؤيد حزب العدالة والتنمية ويوجه له الانتقادات.
لكن من لم ينضم لقائمة أعداء تركيا الجديدة أو حزب العدالة والتنمية بعد؟! فقد انضم لها كل من رئيس المحكمة الدستورية هاشم كيليتش، وجمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك TÜSİAD، والأطراف الداعمة لأحداث متنزه جيزي التي شهدتها البلاد في يونيو/ حزيران 2013، والعلويون، والأكراد، بل وحتى نواب حزب العدالة والتنمية الذين وافقوا على إحالة الوزراء الأربعة المتهمين في قضايا الفساد والرشوة إلى محكمة الديوان العليا.
هؤلاء هم الأعداء في داخل تركيا. ولكن ماذا عن الأعداء في الخارج؟ وقد يكون من الضروري طرح هذا السؤال بهذه الطريقة: “هل يوجد أصدقاء لتركيا الجديدة في العالم؟”، والإجابة : لا ليس له أصدقاء تقريبا…
الخونة الموجودون داخل حزب العدالة والتنمية!
لقد ظهر جليا للعيان موقف نحو 50 من نواب حزب العدالة والتنمية بالبرلمان الذين صوتوا لصالح إحالة ملف التحقيق مع الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد ضمن فضائح الفساد والرشوة التي كشف عنها في 17- 25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، إلى محكمة الديوان العليا.
وقد وصل الأمر ببعض نواب حزب العدالة والتنمية أن يقولوا “إن الخونة الموجودين بيننا قاموا بحملة ضد أردوغان من خلال عملية التصويت”.
فعدد من صوتوا لصالح إحالة الوزراء لمحكمة الديوان العليا جميعا ينتمون لحزب العدالة والتنمية ويتراوح عددهم بين 40 و50 نائبا برلمانيا وهم متهمون بالخيانة بسبب ارتكاب جريمة (!) التصويت لصالح إحالة أوراق الوزراء الأربعة المشتبهين في قضية أعمال الفساد والرشوة 17-25 ديسمبر/ كانون الأول 2013.
وكانت منصة التضامن المدني المعروفة بقربها من أردوغان، قد أصدرت إعلانا في فترة النقاش داخل لجنة تقصي الحقائق داخل البرلمان، تهديدا للنواب، زاعمة أن مستقبل الحياة السياسية لنواب البرلمان بيد أردوغان.
50% من الشعب التركي متهمون بالخيانة!
اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال العامين الماضيين عددا هائلا من الأشخاص وطوائف المجتمع، بـ”الخيانة” حتى وصلت أعدادهم إلى أرقام خيالية يصعب حصرها في قائمة واحدة. ومن ذلك يتضح أن نحو 50% من سكان تركيا متهمون بالخيانة الوطنية بأي شكل من الأشكال.
ولخص نائب الرئيس العام لحزب العدالة والتنمية مصطفى شانتوب الوضع الحالي للبلاد قائلا: “إن من يعادي حزب العدالة والتنمية هم يُعدون أعداء لتركيا في الوقت نفسه”.
وكان الادعاء الأشهر لأردوغان في الفترة الأخيرة حول عملية الخيانة، متعلق بمنظومة تحديد النسل، عندما قال: “لقد خانوا البلاد لسنوات من خلال منظومة تحديد النسل. وعملوا على تحديد وقطع استمرار نسلنا”.
فضلا عن اتهامه جريدة “ميلليت” بالخيانة لنشرها ملف التحقيقات مع الزعيم الكردي عبدالله أوجلان في محبسه بجزيرة إمرالي، وتم فصل الصحفيين حسن جمال ودريا سازاك من مناصبهما في الجريدة بسبب موقفهما الذي يرى تلك الخطوة على أنها نجاح صحفي.
كما اتهم أردوغان جريدة “طرف” التركية أيضًا بالخيانة، لنشرها وثائق مجلس الأمن القومي وكشفها عن أن قرار أردوغان بتصفية حركة الخدمة أصدره مجلس الأمن القومي عام 2004.
واتهم الحزب الحاكم في تركيا المنزعج من الأحداث والتطورات التي تحدث في الخارج والداخل التركي، كل من يتعمد تناول القضايا الشائكة بدءا من حادث استيقاف شاحنات جهاز المخابرات المحملة بالأسلحة والقنابل في طريقه إلى العناصر الإرهابية في سوريا، على الطريق السريع في مدينة أضنة جنوب تركيا، وصولا إلى قضية الرهائن الأتراك الـ49 المختطفين في مدينة الموصل شمال العراق من قبل داعش.
بل ووصل الحال في البلاد إلى أن الحزب الحاكم يتهم من يقول “على تركيا أن تأخذ بعين الاعتبار تحذيرات الاتحاد الأوروبي” وغيرها من الانتقادات البسيطة، بالخيانة للوطن. وتشهد البلاد عمليات تصفية وإقصاء في صفوف القطاع العام وفي أطياف المجتمع وأصحاب رأس المال وفي وسائل الإعلام والصحافة، بدرجة لم تشهدها في تاريخها من قبل.
فقد جاء حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في عام 2002، بفضل وعوده “دولة لا تعادي مجتمعها وشعبها”، وهو ينشغل بالتسلح بذلك السلاح الساحر الذي كان يعاديه ويشتكي منه سابقا واستخدامه تجاه كل من يعارضه وينتقده. والذين كانوا يتعرضون في فترة من الفترات لاتهام “الخونة الموجودون بيننا”، أصبحوا اليوم يرون كل المعارضين على أنهم خونة وأعداء.