ممتاز أرتركونه
ذهبت أول من أمس برفقة الزميل الكاتب المعروف علي بولاج لزيارة مدير مؤسسة سامان يولو الإعلامية هدايت كاراجا المحتجز في سجن سيلفري بإسطنبول. و كأي إنسان لم يفقد ضميره غمرني وابل من المشاعر تلقائيا في ذلك المقام.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن السيد هدايت مدير عام لمجموعة إعلامية تمتلك قنوات تليفزيونية هي الأكثر من ناحية عدد جمهور المشاهدين في تركيا. وهو إعلامي معروف للجميع، وهو من أكثر الناس وداعة ويتسم بالحلم والسلم، وهو شخصية متواضعة لأقصى درجات التواضع. إلا أنه معتقَل في سجن سيلفري بتهمة “الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح”.[/box][/one_third]كانت أحاسيس مشابهة بما امتلأ به قلبي أثناء زيارتي للسيد رجب طيب أردوغان (رئيس الجمهورية) عندما كان محبوسًا في سجن بينار حصار قبل أكثر من 15 عامًا. وياله من إحساس مؤلم للغاية أن يكون مظلوم الأمس هو الحاكم والمقتدر اليوم. وهذا يعني أنه عندما يكون موضوع الحديث هو السياسة، يكون سؤال “ماذا سأكون؟” أهم ألف مرة من سؤال “ماذا كنت؟”.
يواجه هدايت كاراجا ظلمًا بيّنًا. ومن السهل أن يدرك أي إنسان أنه لايمكن تأسيس أدنى علاقة منطقية بين التهمة المزعومة المنسوبة إليه والشخص المحبوس في سجن سيلفري. بل على العكس تمامًا، فالذين سجنوه يريدون أن يفهم الناس أنهم ليسوا بحاجة إلى تأسيس أية رابطة منطقية بين التهمة والمتهم، وذلك في سبيل إشعار الناس بقوتهم الظالمة أكثر وبأنهم قادرين على أن يسجنوا من يشاءون وأن يخلوا سبيل من يشاءون، وكأنهم ينذرون الجميع بقولهم: “لا تستفسروا عن شيئ وانظروا واعتبروا مما نفعل بمن لا يطيع أوامرنا!”.
إن السيد هدايت مدير عام لمجموعة إعلامية تمتلك قنوات تليفزيونية هي الأكثر من ناحية عدد جمهور المشاهدين في تركيا. وهو إعلامي معروف للجميع، وهو من أكثر الناس وداعة ويتسم بالحلم والسلم، وهو شخصية متواضعة لأقصى درجات التواضع. إلا أنه معتقَل في سجن سيلفري بتهمة “الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح”.
ومما لاشك فيه أن يديه لم تمس السلاح إلا في أثناء أدائه الخدمة العسكرية الوطنية. ويشهد كل من يعرفه أنه قضى حياته الشخصية والمهنية معارضًا لحمل السلاح والعنف بأنواعه. ولايستطيع أحد أن يدّعي خلاف ذلك. ويكفي طرح سؤال واحد فقط للبرهنة على مدى سخافة وبطلان تهمة “الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح” التي اختلقها الذين أرادوا حبس أحد أقطاب الإعلام المعروفين في تركيا بين جدران أربعة، ألا وهو “أين السلاح الذي تتحدثون عنه؟”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن السيد هدايت واع بمعنى مهمته تمام الوعي، فهو لايرقد في السجن كمجرم شقيّ، بل هو واقف منتصب القامة ومرفوع الرأس وقورا كحارس ساهر لحماية قلعة الديمقراطية، ويضحي بدلا عنا جميعا.[/box][/one_third]إن حبس كاراجا عار يجعل كل مواطن تركي ينكس رأسه خجلا. إذ لايستطيع أي مواطن أن يشرح سبب اعتقال أحد الإعلاميين المشهورين بسبب سيناريو مسلسل تليفزيوني ولايمكن إقناع أي شخص عاقل صاحب ضمير حيّ بأي تفسير لذلك. وقد ظهر أن تفسير ذلك لايمكن بالقرار الذي أصدره البرلمان الأوروبي نتيجة تصويت يكاد يكون إجماعا، الذي أشار فيه بشكل مباشر إلى قضية كاراجا، وهو يعتبر مؤشرًا واضحًا على جسامة الوضع.
قال السيد هدايت، بتوكل تام على الله، إنه يرى نفسه في موقف “حارس للديمقراطية”. ورأينا مرة أخرى أن العبد المؤمن يصبر على الإيذاء والجفاء بسبب علمه وإيمانه بأن الخير والشر كله من عند الله، وهو يدعو ربه ليخرج ضياء من رحم ذلك الظلم المظلم.
إن السيد هدايت واع بمعنى مهمته تمام الوعي، فهو لايرقد في السجن كمجرم شقيّ، بل هو واقف منتصب القامة ومرفوع الرأس وقورا كحارس ساهر لحماية قلعة الديمقراطية، ويضحي بدلا عنا جميعا.
إن الظلم هو علامة على الضعف وقلة الحيلة. وإلا فلماذا ينتهك من لديه القوة وكان محقا كما يدعي، بشكل مستهتر إلى هذه الدرجة، القانونَ الذي هو سبب وجوده في الواقع؟
لقد انتهكوا القانون في بادئ الأمر من أجل التستّر على فضيحة الفساد والرشوة، ثم انتهكوه مرة ثانية عندما أرادوا تكميم أفواه من صرخوا بأعلى صوتهم وأعلنوا وجود لصوص وطالبوا بمحاسبتهم. ومن أجل ذلك أذاقوا الناس هذا القدر من الظلم وخربوا تروس نظام الدولة كما تقتلع الضروس من مكانها.
إن هدايت كاراجا يقبع في السجن لأنه إعلامي فضح الظلم والفساد وتابع تفاصيل القضية نيابة عن المواطنين الشرفاء. وما غير ذلك حجج مختلقة، وقدرنا جميعا مرهون أو معقود بقدره هو.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن هدايت كاراجا يقبع في السجن لأنه إعلامي فضح الظلم والفساد وتابع تفاصيل القضية نيابة عن المواطنين الشرفاء. وما غير ذلك حجج مختلقة، وقدرنا جميعا مرهون أو معقود بقدره هو.[/box][/one_third]ربما لو كانت تركيا لم تولِّ وجهها شطر الشرق، الصين وإيران، وفقا لاتفاق جرى التوصل إليه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كبديل للاتحاد الأوروبي، لما كان أصحاب السلطة يستطيعون المخاطرة بالابتعاد عن الاتحاد الأوروبي باعتقال كاراجا. وبما أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو قال: “سنواصل مسيرتنا حازمين في سبيل الاندماج مع الاتحاد الأوروبي”، بعد اجتماعه أول من أمس على هامش اجتماع مجلس الوزراء مع رئيس الجمهورية أردوغان الذي قال عندما غيّر وجهته إلى الشرق مخاطبا الاتحاد الأوروبي “لا يهمنا إن منحونا العضوية أم لم يمنحوها” ويعني ذلك أن الوجهة تغيرت من الشرق إلى الاتحاد الأوروبي مرة أخرى. ولابد من تأكيد تعهد أحمد داود أغلو في متابعة المسيرة تجاه الاتحاد الأوروبي بالفعل ولايكفي ما قاله في حرية الصحافة إذ قال: “إن جميع أنواع حرية الصحافة والإعلام مضمونة في بلدنا”. فمن الذي سيصدق أن حرية الإعلام مكفولة في دولة يسجَن فيها مدير مؤسسة إعلامية بسبب سيناريو مسلسل تليفزيوني ويحاكم فيها أكرم دومانلي رئيس تحرير جريدة كبيرة مثل “زمان” بعد اعتقاله وإطلاق سراحه في انتظار موعد المحاكمة؟
إنهم يتوجون ضعفهم وعجزهم اللذين دفعهاهما إلى ارتكاب هذا القدْر من الظلم والطغيان، بسؤالهم إيانا معشر الصحفيين: “لماذا تشتكون تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟” وجوابنا هو: لماذا تجعلون مواطني بلدكم محتاجين إلى دعم الآخرين بشأن حرية الإعلام والصحافة التي تعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان؟
إن نوبة هدايت كاراجا من أجل حماية الديمقراطية لم تنته بعد ولكن لا يشكن أحد بأن المستقبل سيكون مشرقا.