جوست لاجنديجيك
أخذت مسيرة الوحدة في باريس مكانها في التاريخ على الرغم من أنها كانت قبل أسبوع فقط. وإن اتحاد الكثير من زعماء العالم إلى جانب حرية الرأي وضد الإرهاب كان يبعث أملا في استخراج الدروس والعبر من الأحداث وأن الأخطاء السابقة قد لاتتكرر في المستقبل.
ولكن إذا ما نظرنا إلى ما حدث في أوروبا وتركيا بعد المسيرة إلى الآن نضطر إلى الوصول لاستنتاج مزعج بأن منظر الاتحاد ذلك لم يكن إلا ازدواجية في المعايير والتصرف بدافع الانتهازية أكثر مما يتعلق بالتخلي عن العادات القديمة. فقد عدنا إلى خط الدفاع مجددا. خط الدفاع الذي وجدنا أنفسنا فيه إبان هجمات 11 سبتمبر/ أيلول أو بعد اغتيال منتج الأفلام الهولندي تيوفان جوخ في 2004.
وقد بدأ الساسة الأتراك والمثقفون الموالون للحكومة بترديد الشعارات القديمة والتركيز فقط على أخطاء الغرب السابقة لتفسير مجزرة شارلي إبدو بل وحتى تبريرها في بعض الأحيان. حيث تحدثوا في أغلب خطاباتهم عن الإسلاموفوبيا على أنه عامل يفسر كل شيء. ومع إغلاق مواقع الإنترنت والصحف التي استخدمت صورة غلاف شارلي إبدو والتحقيق مع القائمين عليها فقد تم من جديد إحكام وتقوية الأسوار التقليدية التي كانت تحيط حرية التعبير.
كما أننا شاهدنا في العديد من الدول الأوروبية أن أغلب الناس أبدوا ردود فعل تؤكد استسلامهم للحكم السابق الذي يتهم الإسلام بأنه مسؤول عن كل حادث سلبي دون التفكير أو المحاكمة في الأمر واستسلامهم كذلك للمبدأ المطلق في عدم الحد من حرية التعبير وأن المسلمين يجب عليهم تقبل هذه الحقيقة الثابتة في جميع الأحوال.
نعم، الأتراك محقون بعض الشيئ في أن أوروبا وأمريكا تزرعان الفتن في العالم الإسلامي في كثير من الأحيان. وفعلا يجب التصدي بشدة للإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) مثل التصدي لمعاداة السامية Semitizm. ولكن في نفس الوقت يجب على المسلمين مواجهة استغلال عقيدتهم من قبل بعض دعاة التطرف من الجهاديين. فالمسلمون وحدهم يمكنهم تهميش المسلمين المتطرفين وتجريدهم من المشروعية. وعلى تركيا أن تكون رائدة في هذه المساعي.
يجب على تركيا التي لها اقتصاد ومجتمع منفتحين على العالم على وجه الخصوص أن تعيد النظر في فهمها المتعلق بالتفريق والتمييز بين الإساءة وخطاب الكراهية في عصر العولمة هذا الذي لاتستطيع العادات الشعبية أن تحمي أحدا من الأخبار التي تنفذ إلى كل الأماكن.
ومن ناحية أخرى يجب أن تعي الدول الأوروبية أن هناك ثمنا للتدخلات الخارجية الضعيفة وغير الناجحة ورفض الحكومات الإسلامية المنتخبة والشرعية ودعم الحكومات الاستبدادية.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فعليه ألا يتناول مساعدة جيرانه المسلمين على تحقيق الرفاهية والديمقراطية كأنها سياسة يجب التخلي عنها حين تتعقد الأمور وتشتد الظروف. وإن هذه أفضل سياسة من شأنها أن تقلل من جاذبية انتهاج طريق العنف لحل المشاكل مع أنها طويلة المدى.
ولاتزال المشكلة بالنسبة لأوروبا في داخلها هي: فكيف ستتمكن من إيجاد أفضل السبل لتحقيق اندماج الأقليات المسلمة التي فيها. إن الفشل في تحقيق هذا الاندماج هو السبب الأساسي في عجز الحكومات والمجتمعات عن الحيلولة دون تسلح الشباب المسلمين المقهورين والمضطهدين في داخل البلاد وخارجها.
وإنه من المفيد ومن الخير أن يرفع السياسيون المعتدلون من مختلف التوجهات أصواتهم بشدة وباستمرار في وجه أعداء الإسلام الذين حققوا أكثر المكاسب الشعبية مستفيدين من التوتر الحالي ومن الأحكام المسبقة.
ومن المؤسف والمزعج أن نرى أن أغلب هذه التوصيات قد سبق وضعها وتقديمها بعد المشاكل التي ظهرت في 2001 و 2004 لكنها للأسف لم تلعب دورا مؤثرا في عدم حدوث هذه المشاكل التي نواجهها اليوم مرة أخرى.
وإن الحقيقة المريرة هي عدم إيجاد تفسير رائع مثل الذي قاله لان بروما صاحب العديد من الكتب حول التسامح والديمقراطية هذا الأسبوع: “كلما كثر عدد المسلمين الذين يشعرون بالخوف وبأنهم منبوذون ومحاصرون من قبل الأغلبية غير المسلمة في أوروبا تزداد امكانية دعمهم للراديكاليين والمتطرفين… ولكن إن احتضنا المسلمين المسالمين – وهم الأغلبية – كحلفائنا ضد العنف والشدة وعاملناهم كمواطنين متساوين ستبرز وتنمو ديمقراطياتنا بشكل أقوى”.