محمد كاميش
يمكن أن نعتبر السؤال الذي وُجه من أحد الصحفيين إلى رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو دليلًا على أن تركيا تعيش عهد جوزيف مكارثي. لا بل وحتى فيما يشبه حقبة ألمانيا النازية.
وجّه مراسل جريء سؤالًا إلى داودأوغلو قائلًا: “نعتقد أن جذور الكيان الموازي نفذت إلى جميع مؤسسات الدولة، وأنه يجب استئصال هذه الجذور من تلك المؤسسات. فوفق أية خطة ستجرى هذه العملية؟ نظرا لأن هذا الكيان لديه العديد من المؤسسات الإعلامية والتجارية والتعليمية في كل مكان فكيف سيجري تناول وضع هذه المؤسسات من جديد؟”.
إن جرأة توجيه سؤال كهذا وحدها كافية تمامًا لإثبات وجود الفاشية في دولة من الدول. ولأجيب على هذا السؤال الذي لم يجب عليه رئيس الوزراء. أقول إن تركيا ليست المزرعة الشخصية لأحد، ولا يمكن أن يحل كلام يصدر عن شخص، مهما كان، محل القانون. فتركيا دولة قانون، حتى وإن لم تقبلوا بهذا وحتى لو حاولتم فعل ما يخالف ذلك مرارًا وتكرارًا. ولاشك في أنه سيأتي يوم، وإن تأخر قليلًا، ليحاسَب فيه الذين ظَلموا على الممارسات الفاشية والتعسفية التي قاموا بها.
إن دولة القانون واضح فيها ما هو جريمة وما هو ليس بجريمة، ولا توجد جريمة تسمى “الانتماء إلى الكيان الموازي” في دستور الجمهورية التركية. فمجرد تفكيركم في مصادرة أموال وممتلكات منافسيكم بإلصاق تهمة اخترعتموها أنتم بأنفسكم ناهيكم عن تنفيذ هذه الفكرة، يثبت مدى خطورتكم أنتم. فاليوم تسارعون إلى القضاء على مَن اعترض على سرقتكم وفسادكم وأكاذيبكم، فمن يضمن لنا أنكم لن تغلقوا الأحزاب المنافسة لكم وتصادروا ممتلكاتها لأنها قد تنزع السلطة من بين أيديكم؟
إن من يفوزون بالانتخابات في الدول الديمقراطية لايمتلكون البلد بأسره، ولا تتحول الدولة إلى ضيعة من ضيعات آبائهم. فإذا حاكمتم الناس اليوم بسبب انتماءاتهم ومحبتهم ومعتقداتهم، من خلال حجج غير منصوص عليها في القانون، فإن جريمة الكراهية التي ترتكبونها ستلحق بكم لامحالة إن عاجلًا أو آجلًا. والتاريخ مليء بقصص أناس حوسبوا على ما اقترفوا من جرائم كراهية وظلم في حق أناس آخرين لمجرد هوّياتهم فقط.
إن الازدواجية والتوازي هما في عقولكم وطريقة تفكيركم. وإذا نظرتم إلى المسألة بتمعّن، فسترون أن أولئك الذين تتهمونهم بالانتساب إلى “الكيان الموازي” هم الذين يتصرفون وفق دستور الجمهورية التركية وقوانينها في الحقيقة. وفي الواقع، أنتم من تؤسسون “الكيان الموازي” داخل الدولة؛ إذ تستغلون صلاحيات لم ترد في القانون وتتصرفون في أمور الدولة بطريقة غير منصوص عليها في الدستور. فأنتم من تديرون عمليات “مطاردة الساحرات” المخالفة للقوانين، وأنتم من تمارسون الظلم والقمع المخالفة للقوانين تجاه أناس يعترضون على أفعالكم غير القانونية. كما تستغلون الصلاحيات التي تخوّلكم إياها مناصبكم لتشكيل مصادر مالية غير منصوص عليها في القوانين.
فكما أن العمل في مؤسسات هذه الدولة هو حقكم، فهو حق لجميع المواطنين أيضًا. فهناك شيئ اسمه المعارضة في الدول الديمقراطية. وكما أن هناك من يرغب ويرضى أن تحكموا هذا البلد، فمن الطبيعي أن يكون هناك ملايين آخرون يرغبون ويتمنون أن تبتعدوا عن السلطة. وإن ذلك تعتبر من الشروط الأساسية التي لاغنى عنها في الأنظمة الديمقراطية. وإن الشعور بالخطر تجاه سلطتكم بسبب كل كلمة معارضة ومحاولتكم لوأد كل فكرة مخالفة لكم لهو من أمارات الحكم الاستبدادي بكل ما تحمله الكلمة من معان.
علي أن أُذكر ذلك المراسل الذي يتمنى بشغف مكافحة “الكيان الموازي” أن كل شخص تعرّض للظلم بسبب السياسات النازية، سيحاسِب مرتكبي هذا الظلم بطرق قانونية. ولايشكن أحد في أن أولئك المظلومين اليوم وعلى رأسهم رئيس مجموعة “سامان يولو” الإعلامية هدايت كاراجا، الذي اغتصبت حريته منذ 32 يومًا – ولايدري أحد كم سيستمر هذا الظلم- وغيره ممن اغتصبت حرياتهم وطردوا من أعمالهم ونُفوا إلى ولايات بعيدة وهضمت حقوقهم في الاختبارات واعتدي على ممتلكاتهم عن طريق الغرامات المالية، سيحاسبون الذين ظلموهم بطريقة قانونية – إن عاجلًا أو آجلًا – على ما اقترفوا من الظلم في حقهم. وإن لم يحدث هذا اليوم، فربما يحدث غدًا، وإن لم يحدث غدًا، فلعله يحدث بعد غد.
فليكن في علم الجميع أن تركيا ليست مزرعة خاصة بأحد قد ورثها عن أبيه، ولسنا عبيدا أو أسرى لأحد.