علي يورطاجول
كانت باريس الأسبوع الماضي مسرحًا لرسالتين شهدهما وفسرهما العالم بأسره. فقد أوصلت مراكز الإرهاب المتأصلة في منطقة الشرق الأوسط أقوى رسائلها منذ هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001 من خلال الهجوم الذي نفذه مسلحان على مقر صحيفة شارلي إبدو الأسبوعية الساخرة.
إن الهجمات الدامية التي تنفذها العناصر الإرهابية في العراق أو سوريا أو اليمن أو حتى باكستان تتضمن الرسائل ذاتها. وكانت وسائل الإعلام تتناول هذه الهجمات، لكن العالم لم يكن يلقِ بالًا لهذه الأخبار.
هذا الهجوم الذي نفذ ضد مؤسسة إعلامية في قلب باريس نقل هدف الحرب ووجهتها مرة ثانية إلى مركز المدن الكبرى. ومع أن مصدر الهجوم الذي تم تنفيذه عن طريق استغلال أبناء ضواحي باريس المشردين لايعلم على وجه اليقين وبالضبط إلا أنه لاشكّ في وقوف بعض التنظيمات المتطرفة وراءه مثل داعش (الدولة الإسلامية) والقاعدة وقاعدة اليمن وغيرها.
أما الرسالة الثانية فقد أعلنها أكثر من مليوني شخص نزلوا إلى الشوارع رافعين رايات التضامن مع الصحيفة المستهدفة. وكان من بينهم المسلم والنصراني واليهودي واليميني واليساري. ولاقت هذه الوقفة الصامدة ضد العنف والداعمة لحرية الإعلام أصداء قوية بقدر أصداء الرسالة الأولى.
لاشك في أن مشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والزعماء السياسيين من شتى بقاع العالم في هذه المسيرة التضامنية حملت رسالة رمزية، لكن يمكنكم أن تتأكدوا أن النتائج السياسية لهذه الرسالة ستكون شاملة لامحالة. ومع الصحافة تفاصيل كثيرة، غير أن وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي كانوا عقدوا الأسبوع الماضي اجتماعًا استثنائيًا في باريس أيضاً. ولاشك في أن عدم دعوة وزير الداخلية التركي لحضور هذا الاجتماع على اعتبار أن بلاده تدير مفاوضات لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي لم يكن من قبيل الصدفة، بل إنه يحمل دلالات معينة.
وبطبيعة الحال، فإن عواصم الاتحاد الأوروبي كانت على علم بوجهة نظر وزير الداخلية التركي أفكان علاء حول مبدأ دولة وسيادة القانون. وكان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس قد اعترف بـ”ضعف المعلومات الاستخباراتية” وهذا ما يعني أن التعاون من أجل مكافحة الإرهاب سيأخذ أبعادًا جديدة وأننا سنشهد إعادة هيكلة مؤسسات “فنية” مثل (Schengen) و(EUROPOL).
على أية حال، لنرجع إلى حديثنا عن الرسائل المرسلة عن طريق مصطلحي “المسلمين” و”الإسلاميين” في باريس. وكانت الحركات المعادية للإسلام مثل (Pegida) واليمين المتطرف في أوروبا، الذي يعادي الإسلام والمسلمين، قد ذكّرت بتحذيراتها السابقة قبل الهجوم على صحيفة شارلي إبدو في باريس.
ولا ريب في أن هذا التفسير كان السمة البارزة في خطاب التيارات السياسية الرئيسة في أوروبا.
لقد حمل تناول الأخبار الخاصة بالشرطي المسلم الذي قتل في الأحداث والشاب المسلم الذي خبأ الرهائن اليهود على صدر صفحات الجرائد دلالة ورسالة تفيد بأن “المسلمين منّا”. كما استهدفت هذه الرسالة حماية المسلمين من إلصاق تهمة الإرهاب والعرقية والعنصرية بهم. وقد استخدمت كلمة “الإسلاميين” بصفة عامة وبشكل كثيف لوصف منابع الإرهاب. ومن الصعب جدًا أن نحدد من أين يبدأ هذا المصطلح الأعمى وأين ينتهي. وليس لدينا أدنى شك في أن المشاركين في محادثات باريس استخدموا هذا المصطلح لوصف حركات مثل القاعدة وطالبان وداعش وغيرها من التنظيمات المشابهة. لكن شاهدنا في التعليقات والتفسيرات اللاحقة استخدام هذا المصطلح لوصف حركات مثل الإخوان المسلمين وحماس وحزب الله. وسنرى أن التدابير الأمنية المتوقعة لمكافحة الإرهاب في أوروبا ستعاني المشاكل في التفريق بين “المسلمين” و”الإسلاميين”. كما أن السلطات الأمنية ستتابع المساجد عن كثب. وبالرغم من ذلك، نستطيع أن نقول إن الرسالة التي وجّهت إلى الجميع في باريس والتي كان مفادها أن “المسلمين منّا” كانت مهمة جدًا بالنسبة للعالم الإسلامي والحركات المناهضة للإسلام مثل (Pegida) على حد سواء.
هناك الكثير من الحقائق التي تحتم على تركيا والمسلمين أن يكونوا واضحين في مواجهة هجوم باريس. فنحن نشهد في تركيا ميلًا إلى “إراحة العقول” من خلال عبارات “هؤلاء ليسوا مسلمين” أو “لا يمكن أن يكون للإرهاب دين وملّة” أو النظر إلى مشكلة العنصرية الموجودة في أوروبا على أنها منبع الإرهاب وبذلك يتم دفن الرؤوس في الرمال. والأخطر من ذلك وجهات النظر التي تميل إلى نظريات جنون العظمة كتلك التي عبّر عنها رئيس بلدية أنقرة الكبرى مليح جوكتشيك حول “معاداة السامية” إذ يرى أن جهاز المخابرات الإسرائيلي (موساد) هو الذي خطط لهذه الهجمات بُغية مضاعفة العداء للإسلام في الغرب. فمن أين له أن يعرف هذا؟
لكن المثير للمخاوف هو أن هناك فئة لايستهان بها في تركيا لا تستطيع أن تخفي سعادتها بالهجوم الذي شهدته باريس بل إنها بدأت تدافع عن عدائها لأوروبا والغرب بشكل مباشر أو غير مباشر.
يجب على تركيا والمسلمين جميعاً أن يكونوا واضحين إزاء التنظيمات الإرهابية التي مصدرها العالم الإسلامي وأن يقدموا إسهامات فعالة وعملية في تحديد الفوارق بين مصطلحي “المسلمين” و”الإسلاميين”. ذلك أن هذه المسألة شتّتت ليس أفكار تركيا فحسب بل كذلك أفكار العواصم الأوروبية بالرغم من كل النوايا الحسنة.