سيف الدين جورسل
وأخيرا أكد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو على سياسة “الأطفال الثلاثة” في هذا الأسبوع . ومن المعلوم أن رجب طيب أردوغان يصر منذ 3 سنوات على النساء بإنجاب 3 أطفال. وهو يدعي أن نسبة الزيادة السكانية تتضاءل في تركيا وبالتالي تزداد نسبة الشيخوخة وهذا ما يسبب تهديدا وطنيا. ولا أظن أن هذا الكلام سيؤثر في النساء من حيث عدد الأطفال.
حملة التشجيع لاتعني مجرد توجيه المتزوجات إلى إنجاب المزيد من الأطفال بل تحاول استغلال جانب مهم من النساء العاملات المنجبات. ونحن نعلم أنهن يتركن أعمالهن بعد الإنجاب لمدة 16 أسبوعا. ولو فرضنا أن بعض النساء لا يرغبن بإنجاب المزيد من الأطفال كي لايخسرن أعمالهن فذلك يعني أن هذه الدعوة للإنجاب لن تجدي نفعا في زيادة عدد الأطفال.
وثمة تدبير للتشجيع على زيادة الإنجاب. فبإنجاب أول طفل ستمنح الدولة للمرأة 300 ليرة تركية وعند انجاب الثاني 400 ليرة والثالث 600 ليرة. ويجب التنويه بأن هذه المبالغ تُدفع لمرة واحدة فقط . ولكن دعوات بقاء المرأة في عملها أكثر إغراءً. وإن شاءت المرأة تستطيع العمل لنصف الوقت بعد انتهاء إجازة الولادة. وتكون المدة شهرين مع الطفل الأول و4 أشهر مع الطفل الثاني و6 أشهر مع الطفل الثالث. والأمر المحرج في هذا التساهل هو حصول المرأة على أجرها الكامل رغم عملها لنصف الوقت. وبالتالي سيعطي صاحب العمل نصف الأجر والدولة ستعطي النصف الآخر. وإن شاءت الأم يمكنها أن تعمل نصف الوقت حتى يذهب ابنها إلى المدرسة لكنها في هذه المرحلة لن تنال الأجر الكامل. وهناك تدبير آخر يشجع النساء على العمل لزيادة عدد الأطفال وهو تعزيز عدد الحضانات والتشجيع على تخفيض الرسوم الضريبية المترتبة عليها. كما ستُضطر البلديات إلى فتح الحضانات. وهذه التدابير تؤدي إلى رفع عدد الحضانات وتخفيض أسعار التسجيل فيها.
وثمة سياسة حول تجهيز بيت الزوجية وهو يهدف إلى فتح حساب لكل طفل في العائلة وستودع الأموال في هذا الحساب حتى يبلغ الطفل سن الـ18 من عمره. وحين يكبر الطفل ويقدم على الزواج ستقدم الدولة له 15%من الأموال المتراكمة لديها من أجل تجهيز بيت الزوجية. ولكن لم أفهم ما علاقة هذا الأمر بعدد الأطفال! فقد يسهل ذلك الزواج بالنسبة للفقراء.
وهل هذه التدابير تساعد على زيادة نسبة الولادات؟ لاأظن ذلك أبدا. فقد ارتفعت مصاريف تربية الأطفال في المدينة إلى درجة كبيرة جدا بحيث لاتستطيع المرأة الفقيرة أن تفكر في إنجاب طفل ثان أو ثالث بعد طفلها الأول من أجل حصولها على 400 أو 600 ليرة . فإن كانت تستطيع فعل ذلك فإنها تفعل ذلك وتكسب المال لتضعه في جيبها.
وهل اتخاذ بعض التدابير من أجل بقاء المرأة في عملها وإمكانية فتح حضانات بأسعار منخفضة نسبيا يشجع على إنجاب المزيد من الأطفال؟ يجب البحث في هذا الموضوع. ولا أظن أبدا أنه سيتسبب في إحداث تغيير مهم. ولكن المؤكد أن ذلك سيؤثر إيجابيا في مشاركة النساء في الأعمال. وسيكون ذلك مفيدا من هذه الناحية. ولكن المشكلة هي كيف سيقتنع أصحاب الأعمال عمليا بتشغيل نساء لنصف الوقت.
وستتم متابعة الإحصائيات في السنوات القادمة لمعرفة تأثير التدابير بعد أن تصبح قانونية. إلا أنني لاأظن أبدا أن هذه التأثيرات ستجدي نفعا من أجل حل مشكلة ازدياد نسبة الشيخوخة في عدد السكان. الدول الأوربية تواجه هذه المشكلة. لكنني لم أسمع مرة أنها اتخذت مثل هذه التدابير. إنهم يطبقون منح رواتب شهرية للأطفال. ولاشك في أن ذلك يؤثر في عدد الأطفال والفقر. وإنني أرى أن أفضل طريقة لمكافحة نسبة ازدياد الشيخوخة في عدد السكان هي سياسة الهجرة المدروسة والمنضبطة جيداً.