بولنت كوروجو
كانت “قصعة الشعير” كلمة نسمعها كثيرًا في السنوات التي كانت تركيا فيها تعاني أزمات اقتصادية. وهي كلمة يكنى بها عن العلاوات الإضافية التي تمنحها السلطة الحاكمة لمؤيديها من خزانة الدولة التي يشارك فيها جميع المواطنين.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] إن توزيع المناقصات العامة بين عدد قليل ومحدد من الشخصيات ومنح ما تبقى منها إلى الشركات الوسيطة المتعاونة معها أيضًا يمثل أحد المشاكل الكبيرة التي تواجهنا. ولاشك في أن الشعب سيشعر بأضرار هذه الممارسات على نحو تدريجي.[/box][/one_third]كانت هذه الكلمة تدل على كيفية “نهب” إمكانات الدولة بين الأقارب والأصدقاء. وقد اتخذت الحكومة بعض التدابير الإلزامية عندما تراجع أداء الاقتصاد وانخفض أداء الدولة. وكان من أبرز هذه التدابير تصغير القطاع العام وانسحاب الحكومة من المجالات التي لا تدخل في إطار صميم مهامها وضبط النفقات. ولقد أفضت الالتزامات التي أملتها الضرورات الاقتصادية إلى اتخاذ حكومات الائتلاف – قصيرة العمر – تدابير تخصّ الكوادر والوظائف الشاغرة التي ضخمتها أكثر من اللزوم. وكان اختيار موظفي القطاع العام بناء على اختبارٍ يخضعون له خطوة جيدة في هذا المضمار.
ولا أعرف ما الذي يولّد هذه الحلقة المفرغة؟ أنحن من نخلقها بأنفسنا كدولة أم هو مقتضى الطرح الذي يزعم بدائرية حركة التاريخ. ذلك أننا للأسف نعود بسرعة إلى النقطة التي انطلقنا منها. إذ إن توزيع المناقصات العامة بين عدد قليل ومحدد من الشخصيات ومنح ما تبقى منها إلى الشركات الوسيطة المتعاونة معها أيضًا يمثل أحد المشاكل الكبيرة التي تواجهنا. ولاشك في أن الشعب سيشعر بأضرار هذه الممارسات على نحو تدريجي. أضف إلى ذلك أن الاستثناءات في قوانين المناقصات وتعطيل عمل الهيئات الرقابية يفتح الباب أمام إنتاجٍ أكثر غلاءً وأقل جودة. ويعتبر من النماذج الملموسة لهذه القضية الاعتراف الذي أقرّ بصبّ أسفلت لا يتجاوز عمره العامين أو ثلاثة أعوام في الطرق السريعة المزدوجة. وعليه فإن الشعب هو من يتحمل عبء عودة مصطلحي “التوظيف” و”العلاوات الإضافية” خلال مدة قصيرة.
يبسط حزب الدالة والتنمية نفوذه داخل الدولة ويعيّن المزيد من الكوادر الموالية له في الوظائف الحكومية كلما زادت مدة بقائه في السلطة. فهذه “الشهية” التي أصابت الحزب تجور على الحدود القانونية؛ إذ تعتبر “شهية” مفرطة ستعيد إحياء مصطلح العلاوات الإضافية الخاصة من جديد. ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع أخبارًا تتحدث عن أقارب الوزراء والنواب البرلمانيين ومسؤولي الحزب الحاكم. فيما أصبحت المؤتمرات التي يعقدها نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض خلوق كوتش للإعلان عن القوائم التي أطلق عليها “الواسطة الـ VIP ” تعقد بشكل دوري تقريبًا. ويطلق على هذه العملية اسم “المحسوبية” أو “محاباة الأقارب” وهي تعتبر من أكبر الآفات في الدول الديمقراطية.
ربما نتوقف عن الحديث إذا كان الأمر يتعلق فقط بأقارب بضعة مئات من المسؤولين الذين يتربعون على عرش هرم السلطة في تركيا. لكن البعض حاليًا يتحدث عن أن شركات المقاولات التي تريد الفوز بمناقصة حكومية تبحث عن “بطاقة تعريفية” خاصة بالحزب الحاكم حتى تصل إلى مرادها. ولقد أصبح هذا الأسلوب في العلاقات متبعاً حتى أدنى درجات الدولة وصار من الطبيعي أن تجد ولاة المحافظات ورؤساء البلديات ونواب رؤساء الدوائر يستخدمون صلاحياتهم لخدمة أقاربهم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] يبسط حزب الدالة والتنمية نفوذه داخل الدولة ويعيّن المزيد من الكوادر الموالية له في الوظائف الحكومية كلما زادت مدة بقائه في السلطة. فهذه “الشهية” التي أصابت الحزب تجور على الحدود القانونية؛ إذ تعتبر “شهية” مفرطة ستعيد إحياء مصطلح العلاوات الإضافية الخاصة من جديد. ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع أخبارًا تتحدث عن أقارب الوزراء والنواب البرلمانيين ومسؤولي الحزب الحاكم.[/box][/one_third]إذا أقدمت حتى الشركات الخاصة على ممارسات التمييز السلبي والمحسوبية بين الأشخاص فإنها كذلك تحاسب أمام القانون. كما لايمكن أن يفرض أحد حصارًا على حزب أو هوية عرقية أو اجتماعية حتى ولو داخل شركة والده. لكننا نشهد حاليًا تحويل الوظائف الحكومية في تركيا إلى ساحة لتطبيق التمييز السلبي فعلاً. وهناك أضرار للتوظيف الحزبي والفئوي والمذهبي أبعد وأكبر من الخطأ المبدئي المذكور. فهذا – أولًا – يعتبر اعتداء على حقّ مَن يمولون الحكومة بضرائبهم. وبما أنكم لاتجمعون الضرائب من المنتسبين إلى الحزب الحاكم فقط فإنه ليس بإمكانكم توزيع حق العمل الذي يعتبر من حقوق الإنسان الأساسية والعالمية بين أنصاركم. كما يعتبر هذا انتهاكًا للحقوق من ناحية المجالات الخدمية. ففي الوقت الذي يمكن أن يحصل فيه المواطن على الخدمة نفسها بجودة أفضل فإنه يحصل على خدمة أقل جودة بسبب الكوادر الوظيفية غير المؤهلة التي جرى تعيينها من خلال “الواسطة” و”المحسوبية”. فالمؤهل والمستحق للوظيفة مظلوم ومن موّل القطاع العام بضرائبه مظلوم أيضاً ومن لم يحصل على الخدمة التي يستحقها مظلوم كذلك.
لقد وصل تهوّر حزب العدالة والتنمية في التعيينات الوظيفية إلى حد أصبح تعتمد فيه معايير غير موضوعية بالمرة وتقرّ تعديلات تجعل الاختبارات التحريرية في حكم العدم. وكان مجلس الدولة قد أوقف قبل عدة أيام مبادرة وزارة العدل إلى توظيف الكوادر من خلال المقابلات الشخصية دون الاختبارات التحريرية. كما صدرت قرارات مشابهة كذلك في وزارات أخرى ومنها وزارة التربية والتعليم. لكن الحزب الحاكم لا يتوقف عن تنفيذ هذه الإجراءات ويواصل محاولاته للتحايل على القانون وتحويل القطاع العام إلى “كعكة” يأكل منها من شاء. ولهذا السبب احتفظ الحزب بادعاءات الغشّ والفساد التي كانت في اختبارات التوظيف العام سنة 2010 لمدة طويلة ثم أعادها إلى الفرن وطبخها مجدداً عرضها بعد ذلك على الرأي العام للتغطية على التوظيف الحزبي والفئوي الذي يعتمده.
وإذا كانت هناك عملية غشّ بالفعل فيجب على الحزب الحاكم أن يقوم باللازم من أجل محاسبة المسؤولين عوضًا عن أن ينتظر ويماطل خمس سنوات في هذه المسألة. ولهذا فإن المزاعم المتعلقة بالغشّ في اختبارات التوظيف العام قبل سنوات تعزّز الفكرة القائلة بأن هذه المزاعم ليست إلا “عملية للتستر على عمليات الرشاوى”.