علي بولاج
إن تفضيل وتقديم الأقارب في البيروقراطية وعالم الأعمال على أصحاب الكفاءة والخبرة يسبب الأضرار من جوانب عدة نوجزها فيما يلي:
- الشخص الذي ليست له كفاءة يشبه من يقود السيارة وليست عنده رخصة قيادة فذلك الشخص يتسبب في وقوع حوادث لامحالة ويبلغ ضرره الصالح العام.
- التوسط لشخص غير مؤهل وعديم الكفاءة يعدّ إثما لأن ذلك سيضر بالصالح العام وفي الوقت نفسه سيكون ظلما لأصحاب الكفاءة واغتصابا لحقهم.
- في حقيقة الأمر، فإن إسناد مهمة القيام بإحدى الوظائف إلى شخص معدوم الكفاءة لايكون في صالحه كذلك لأنه يتولى وظيفة لم يكن يستحقها.
وباختصار، فإن “بيروقراطية الأقارب” تحول دون إنجاز الأعمال بشكل مثمر وفعال من خلال العدل والقرارات العقلانية ويؤدي إلى تردي النظام الاجتماعي – السياسي وفساده. وهذا يعني أن “مراعاة مصالح الأقارب وحمايتهم” تختلف عن “توظيف عديمي الكفاءة”. ولقد لعبت هذه القضية دورًا بارزًا في تشكيل تيارين رئيسيين في الإسلام. لنتأمل هذه الآية:
“وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ” (الأنفال – 41). فذوي القربى المذكورين في هذه الآية هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأقاربه المقربون. وإن كان البعض ضم إلى هذه الفئة المنحدرين من بني هاشم وبني عبد المطلب فلم يدخل ضمن هذه الفئة أولئك الذين ظلوا على الشرك مثل أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخصص جزءا من الغنائم قدر ما يكفي لتلبية احتياجات أقاربه المقربين طوال حياته الشريفة. وهذا الجزء كان يقدَّم إلى الفقراء منهم لكونهم “فقراء ومحتاجين”، ولايقدَّم إلى الأغنياء منهم. وكان زين العابدين بن علي (توفي عام 740م) ، أحد أحفاد النبي الأطهار يقول “ليس من حقنا أن نبني القصور ونمتطي الخيول من أموال الخُمس (خمس الغنائم المذكور في الآية)”. وقد حكم الإمام أبو حنيفة بأن نصيب هذه الفئة سقط أو ألغي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ظهرت اختلافات حقيقية بشأن هذه المسألة بعد رحيل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. وقد طلبت السيدة فاطمة – رضي الله عنها – أن تخصص أرض فدك باسمها كميراث من والدها عليه الصلاة والسلام. إلا أن الخليفة أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – رفض هذا الطلب بقوله إن الأنبياء لايورثون شيئًا وإن ما يتركونه وراءهم من الأموال يكون في حكم “الصدقة”. وقد رأى الخليفة أن السيدة فاطمة وأبناءها سينتفعون من هذه الأرض لكنهم لن يمتلكوها.
وبالرغم من وضع الحكم على هذا الأساس فقد شهد التاريخ تخصيص موارد مختلفة من الميزانية العامة للدولة وتقديم الهدايا والعطايا إلى أفراد أهل البيت من ذرية الحسن (الملقبون بالأشراف) ومن ذرية الحسين (الملقبون بالسادة) رضي الله عنهم. وحافظ سلاطين الدولة العثمانية حتى آخر مراحلها على هذا التعامل حتى أنهم وسعوا نطاقه ووزعوا المخصصات بشكل منتظم على سكان مكة المكرمة والمدينة المنورة وفقراء الحرمين الشريفين.
أما فقهاء الشيعة فيرون ضرورة تخصيص الخُمس من كل أنواع الكسب والإيرادات وليس الغنيمة فقط ومنح هذه الأموال والعطايا إلى الأئمة المنحدرين من نسل النبي صلى الله عليه وسلم وآيات الله الذين يعتبرون نواب للإمام الثاني عشر بعد غيبوبته. وقد استمر العمل بهذا الحكم منذ فترة الركود التي مرت خلال المرحلة الانتقالية بين الأسرتين الصفوية والقاتشارية في إيران إلى اليوم. وقد أفضى هذا الأمر إلى سيطرة رجال الدين على موارد مالية ضخمة وتنظيم رجال الدين بشكل مستقل عن السلطة السياسية ومزاولتهم لأنشطتهم على هذا النحو. وكان آية الله البروجردي شيخ آية الله الخميني قد ساهم في القرن الماضي في جعل الخُمس في مركز واحد وجمعه وتوزيعه من ذلك المركز.
وفي النهاية أقول:
1 – لا بد من مراعاة مصالح ذوي القربى وحمايتهم لكن من الظلم تعيينهم في وظائف لايستحقونها إذا كانوا فاقدي الأهلية والكفاءة اللازمين.
2 – أهل بيت النبوة هم المقصودون بـ “ذي القربى” الواردة في القرآن الكريم لتخصيص جزء من ميزانية الدولة لهم. ويرى الإمام أبو حنفية أن هذا الحكم فقد صلاحيته بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم. فمن يريد مساعدة أقاربه الأقربين أو الأبعدين فعليه أن يتبرع لهم من ماله الخاص وليس من مال الدولة.
3 – أبرز العوامل التي تفضي إلى تدهور النظام الإداري والسياسي والاجتماعي بالدولة هي تشكيل بيروقراطية تستند إلى صلات القرابة والمواطنة والعلاقات العرقية والمذهبية والحزبية.
إذا فكرنا في هذه القضية على المستوى الفردي والعائلي سنجد أن الأقارب هم سبب اختبار وفتنة لأصحاب القوة والسلطة على أساس أن حبهم يمثل ضعفًا فطريًا لدى أي إنسان. وقليل أولئك الذين نجحوا في هذا الاختبار ولم يستسلموا للضعف الفطري لديهم. ولكن إذا وسعنا نطاق أفكارنا سنرى أن الذي يتحول إلى أداة التحكم ووسيلة الأمن إذا تم استعمالها لأغراض تخدم السلطة والحكم هو حس العصبية.