علي بولاج
إن محسوبية الأقارب التي يُطلق عليها في الغرب “نيبوتيزم” “nepotizm” هي من أكبر المشاكل الاجتماعية التي نواجهها. كان البابوات في عصر النهضة يعيّنون أبناء إخوتهم (nepos) في أعلى المراتب الوظيفية. ومن هنا اشتق مصطلح “نيبوتيزم” الذي يطلق على المحسوبية. وهذا ما نجده في كثير في الإدارات الوراثية وحتى الدولة العثمانية كانت تعاني من هذا الأمر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]السبب الرئيسي للشرخ الاجتماعي العميق الذي نعيشه اليوم في تركيا هو إهمال الحزب الحاكم لمبدأ العدالة أثناء مسيرته في طريق التنمية. فلم يؤسس العدالة بين المسلمين ولم يطمئن العلمانيين وغير المسلمين والعلويين والأكراد الذين يعتبرون أنفسهم خارج الدين والإسلام.[/box][/one_third]ثمة جانب فطري في التقرب إلى الأقارب فأمر جميل أن يهب الشخص لنصرة أقاربه ومساعدتهم لكن ما نتحدث عنه هو تحول هذا الحب للأقارب إلى بيروقراطية أقارب وتعصبٍ لهم. وأغلب الأنظمة في الشرق الأوسط اليوم مبنية على هذه العصبية.
وكانت أول حرب أهلية كبيرة وصراع دامٍ على السلطة في التاريخ الإسلامي في النصف الثاني من عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ومن أسباب ذلك هو تأسيس بني أمية منظومة قائمة على بيروقراطية الأقارب بالنسبة للأمويين. أما القبائل الأخرى والبدو القادمون من البادية فقد كانوا يبعَدون عن هذه المنظومة.
وقد جرت هجرتان كبيرتان في التاريخ الإسلامي: الأولى هجرة المسلمين بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وبعدها وفود القبائل المجاورة سنة 600 ميلادية إلى المدينة وإسكانهم فيها. وقد شجع النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الهجرة وساعدهم ليعتادوا على العيش في المدينة أو على الحياة المدنية. أما الثانية فهي ترغيب عمر بن الخطاب رضي الله عنه للبدو بالعيش في المدينة المنورة وغيرها من مراكز التجمع البشري. لكن الصعوبات التي واجهها البدو نتيجة التخلي عن عاداتهم في المدينة بالإضافة إلى البيروقراطية التي انتهجها بنو أمية في إدارة البلاد أدت إلى التكتلات الاجتماعية العميقة وحدوث حروب أهلية. وإن أحد أهم العوامل في ظهور الشيعة والخوارج هي بيروقراطية الأقارب التي جاء بها الأمويون عبر نظام الحكم الوراثي.(للتوسع ننصح بمراجعة كتاب “الخوارج والشيعة” لطه آقيول. دار قبه آلطي).
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تظهر بيروقراطية الأقارب حين تغيب العدالة. والأقارب نوعان: ذوو الأرحام وذوو القربى. والبيروقراطية التي أقصدها هي التي تشمل كلا النوعين من الأقارب والموالين. والحلقة الأولى في ذلك هي العائلة والحلقة الثانية هي الأقارب المقربون. والثالثة هي الوحدة القومية والرابعة أهالي نفس المدينة أو المنطقة والخامسة أهل نفس الإقليم والحلقة الأخيرة هي المجموعات الموالية.[/box][/one_third]كما أن ذلك شبيه بوضع تركيا والعالم الإسلامي بشكل عام في مسيرة التطور والتحضر. فقد حدثت في تركيا وما زالت تحدث هجرة كبيرة من الريف ومراكز التجمع الصغرى إلى المدن الكبرى منذ 1950 إلى الآن. فالطريق الوحيد لدمج السكان الجدد الذين يملأون المدن في نظام إدراة المدن هو توزيع الفرص بالعدل. وهذا يعني توزيع الفرص والموارد البشرية والمادية في المجال القانوني والاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية ، وحسب الكفاءات وتقديم الخدمات وإنجاز الأعمال حسب الحاجة والتخطيط البشري.
والسبب الرئيسي للشرخ الاجتماعي العميق الذي نعيشه اليوم في تركيا هو إهمال الحزب الحاكم لمبدأ العدالة أثناء مسيرته في طريق التنمية. فلم يؤسس العدالة بين المسلمين ولم يطمئن العلمانيين وغير المسلمين والعلويين والأكراد الذين يعتبرون أنفسهم خارج الدين والإسلام.
لكن تحميل هذا الضعف والتقصير لحزب العدالة والتنمية وحده ليس من قبيل الإنصاف. فقد علمتنا التجربة التي عشناها أن الجماعات الإسلامية لم تكن متمتعة بالمعلومات والتحليلات السليمة والصحيحة حول السياسة والدولة ولم يهتموا جيدا بالعدالة الإسلامية طوال نضالهم الذي استمر 100 سنة. كما أنهم لم يكونوا راغبين كثيرا بإشراك غيرهم في استخدام السلطة. ويستخدمون السلطة الحديثة مثل غيرهم ويسلِّمون الدولة والموارد العامة للمقربين منهم ويقصون الآخرين بغير وجه حق كما كان يفعل غيرهم.
تظهر بيروقراطية الأقارب حين تغيب العدالة. والأقارب نوعان: ذوو الأرحام وذوو القربى. والبيروقراطية التي أقصدها هي التي تشمل كلا النوعين من الأقارب والموالين. والحلقة الأولى في ذلك هي العائلة والحلقة الثانية هي الأقارب المقربون. والثالثة هي الوحدة القومية والرابعة أهالي نفس المدينة أو المنطقة والخامسة أهل نفس الإقليم والحلقة الأخيرة هي المجموعات الموالية.
وبيروقراطية الأقارب وسيلة لتقاسم الفرص بطريقة غير عادلة كما أنها وسيلة ضمان للبقاء في السلطة. ولابد من التحقيق والتدقيق في ذلك.