لاله كمال
إن ممارسات وسياسات الوصاية العسكرية التي كان من بينها إكراه الطلاب في المرحلة المتوسطة على قراءة نصوص انقلاب 27 مايو/ آيار 1960 كأنها كانت شرعية أو كانت فضيلة لا تزال آثارها حية في أذهاننا وكأنها كانت ليلة البارحة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن أصحاب السلطة الذين يحكمون البلد بالقوة مع أن عددهم قليل وينظرون إلى أغلبية الشعب كأنهم خدم لهم وكتبوا ذلك كمادة في دستور الانقلاب أعادوا نظام التعليم وجعلوه يعتمد على تحفيظ النصوص وإبعاد التلاميذ عن التساؤل والبحث عن الحقيقة حتى ينشأوا بحب الدولة العميقة إلى درجة التقديس لكي لاتنشأ أجيال واعية ومتمتعة بالثقة بالنفس.[/box][/one_third]وفي الوقت الذي يحكم البلاد مهندسو الوصاية الجديدة الذين وصفوا محاولاتِ الانقلاب التي تُعَد جريمة في الدستور بأنها مؤامرة من الطبيعي أن يرى أغلب المواطنين الإجراءات والممارسات مثل حجب مواقع الإنترنت وفرض القيود على وسائل الإعلام والصحافة كأنها أمور عادية.
وإن بلدا يفتي فيه أحد الكُتَّاب “الإسلاميين” بأن المرأة لا يمكن لها أن تقدم البرامج الإخبارية في التلفيزيون ويفتي آخر بعدم جواز سير المرأة الحامل في الطرقات وينتقد أحد الوزراء ضحك المرأة. إن بلدا كهذا ملائم لتزيد فيه حالات عنف الرجل ضد المرأة.
إن أصحاب السلطة الذين يحكمون البلد بالقوة مع أن عددهم قليل وينظرون إلى أغلبية الشعب كأنهم خدم لهم وكتبوا ذلك كمادة في دستور الانقلاب أعادوا نظام التعليم وجعلوه يعتمد على تحفيظ النصوص وإبعاد التلاميذ عن التساؤل والبحث عن الحقيقة حتى ينشأوا بحب الدولة العميقة إلى درجة التقديس لكي لاتنشأ أجيال واعية ومتمتعة بالثقة بالنفس. ونتيجة لذلك فإن أغلب المواطنين الأتراك يعانون من قمع وضعف في التفكير بحرية وابتعاد عن التساؤل لأنهم أضحوا أسرى للصيغ المناهضة للديمقراطية والمترسبة في رؤوسهم. ولأنهم تعرضوا لقمع وتخويف بالانقلابات المتتالية. وفي يومنا الحاضر يتعرضون للإسكات والقمع وعمليات التصنيف حسب توجهاتهم وانتماءاتهم كما يعانون من ممارسات مختلفة للتخويف والترويع ولكن هذه المرة في ظل سلطة مدنية وبالتالي يحسون أنفسهم مضطرين إلى إخفاء أفكارهم ومشاعرهم الحقيقية.
فالبلاد لم تشهد نظاما ديمقراطيا يلعب دورا نموذجيا في رسم خارطة الطريق للمجتمع التركي وكذلك اليوم إذ تشهد نظام حكم لايطيق حتى أية همسة مخالفة ومعارضة له.
ونرى اليوم العلمانيين المتشددين الذين يصفون أنفسهم بالديمقراطيين كيف يضحون بالمجتمع من أجل ضمان بقائهم في السلطة وما يفعله أصحاب السلطة الحالية من ممارسات تخويفية وترهيبية موجعة بأنواعها المختلفة من أجل إدارة البلاد بيد من حديد تحت عباءة الدين.
وقد أصبح من الواضح التراجعات في مجالات شتى منذ أن ابتعدت السطلة عن المسار الديمقراطي في إدارة البلاد وبدأت تسلك طريقها نحو الدكتاتورية.
شهدت البلاد قبل أيام قليلة تصويت نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم لإعاقة إحالة الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد إلى المحكمة العليا الواقعة التي لم تشهد حتى في فترات الوصاية العسكرية إذ تم فيها إحالة بعض الوزراء إلى المحكمة العليا رغم السطوة والقسوة السائدة فيها.
وإن الحكومة تدرك جيدا أن حرية الصحافة هي عنصر أساسي وعالمي لمساءلة الحكام ومتخذي القرار حتى يراجعوا أنفسهم في أساليب حكمهم ويحسنوها إذا استطاعت الصحافة تزويد الرأي العام بأخبار صحيحة وموضوعية ولذلك تسعى جاهدة لإسكات المجتمع من خلال تخويف وقمع وسائل الإعلام.
ومن المؤسف فإن جزءا كبيرا من المجتمع لايستطيع إدراك أن عمليات المراقبة والتضييق تهدف إلى هدم المجتمع بسبب الأفكار والمعلومات المناهضة للديمقراطية التي يمليها عليهم أصحاب السلطة بطريقة ممنهجة ومستمرة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من المؤسف فإن جزءا كبيرا من المجتمع لايستطيع إدراك أن عمليات المراقبة والتضييق تهدف إلى هدم المجتمع بسبب الأفكار والمعلومات المناهضة للديمقراطية التي يمليها عليهم أصحاب السلطة بطريقة ممنهجة ومستمرة.[/box][/one_third]بعد أحداث منتزه جيزي في شهر يونيو/ حزيران 2013 أصبحنا نشهد يوميا أمثلة لسلب حق التظاهر من الناس بواسطة قوات الشرطة وباستخدام القوة المفرطة. وآخر مثال على ذلك هو تدخل قوات الشرطة مستخدمة الغاز المسيل للدموع لتفريق المواطنين الذين اجتمعوا أمام المحكمة الدستورية بأنقرة أول من أمس لتقديم عريضة ضد بعض قرارات الحكومة الحالية.
تشير المعطيات والتقارير الخاصة بعام 2014 أن سجل تركيا في ملف الفساد يزداد سوءا وأنها حلَّت في المرتبة الثانية من حيث عدم التوازن في توزيع الثروات والدخل موضحة أن المجتمع التركي يزداد فقرا يوما بعد يوم.
ومن الواضح أن تركيا لم تتعارف بالنهضة التي تتحقق بالتفوق من الناحية العلمية والتكنولوجية. ولكن الأغلبية في المجتمع التركي الذين حرموا القيم الديمقراطية عن قصد من طرف الحكام لا يشعرون ولا يدركون أن الفساد يجعلهم فقراء كما يجعلهم لا يملكون أية حيلة تجاه المشاكل.
من الخطأ أن يتحدث بعضهم عن المواطنين بـ”ناس بلدي” من باب السخرية والاستهانة بهم لأن المجتمع في نهاية الأمر يتشكل حسبما يشكله نظام الحكم السائد في البلد. كما جاء في المثل التركي “لا تحصد إلا ما زرعته مسبقا”.