بقلم: شاهين ألباي
يحرص حزب العدالة والتنمية على أن يُقدِّم نفسه على أنه ديمقراطي محافظ. بينما يرى قسم كبير من صفوف معارضيه أنه إسلامي. ومن بينهم الخبراء السياسيون الذين يستخدمون مصطلح المسلم المتدين والإسلامي بمعنى واحد.
وهناك أنواع عديدة في توصيفه بالإسلامي. الذي صادفت أنا منها شخصيا: الإسلامي الخفيّ، والإسلامي الليّن والإسلامي الأصولي الراديكالي والإسلامي الذي يمارس التقية والإسلامي الفلسفي والإسلامي الجديد والإسلامي المعتدل والإسلامي الفاشي والإسلامي الذي يتفرع عن جماعة الإخوان المسلمين… إلخ. وهناك من يصفه أيضًا مثلي أنا ويُطلقون عليه القومي الديني والقومي السنّي والكمالي الإسلامي.
هناك أيضا ما ظهر في الآونة الأخيرة مثل الادعاءات حول حزب العدالة والتنمية بأنه مشروع أمريكي وإسرائيلي. من حسن حظنا! هناك عدد كاف بل عدد زائد من الذين يبحثون عن يد أمريكية أو صهيونية وعن عقل مدبّر وراء كل ما يحدث في البلاد. ويمكننا أن ندع ادعاءات هؤلاء الذين تسممت عقولهم وأذهانهم بنظريات المؤامرة جانبا. ولكن بماذا يمكن وصف حزب العدالة والتنمية أو كيف نعرفه بعدما آل إليه في الآونة الأخيرة؟ يجب أولا تسليط الضوء على المسائل التالية.
فحزب العدالة والتنمية هو نتاج للديمقراطية الناقصة والمعيبة لنظام التعدد الحزبي القائم في تركيا منذ ما يقرب من 70 عاما. وتعود جذوره إلى حركة الرؤية الوطنية التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي بزعامة الراحل نجم الدين أربكان. وكانت هذه الحركة تستحق وصفها بالإسلامية إلى أن سطع نجم حزب الرفاه من بين الأحزاب التي خرجت من تحت عباءة الحركة لأنها كانت ضد التوجه للإندماج مع الغرب وكانت تدافع عن الوحدة الإسلامية فضلا عن أنه في فترة من الفترات كانت يردد شعارات “حرية اختيار القانون”.
ومع مطلع تسعينيات القرن الماضي شهدت حركة الرؤية الوطنية تراجعا بدأ مع انقسام الحركة في نفسها إلى تقليديين وتجديديين واستمر التراجع الذي شهدته حكومة أربكان وظهر جليا مع تجربة حزب الفضيلة. ويكمن السبب الرئيسي وراء هذا التراجع في إدراك الساسة المنتمين لتيار التجديد داخل الحركة استحالة أن يصلوا إلى سدة الحكم بتوجه إسلامي في بلد يأمل فيه المواطنون بالحريات والرفاهية وفي ظل خضوع الحكومات لسيطرة الطبقة البيروقراطية الكمالية المدنية أو العسكرية. لذلك اضطر حزب العدالة والتنمية إلى إعلان خلعه عباءته الإسلامية وأنه يضع عضوية الاتحاد الأوروبي نصب عينيه وظهر على الساحة السياسية في البلاد بأكبر البرامج الليبرالية في تاريخ تركيا من الناحية السياسية والاقتصادية.
فقد نجح حزب العدالة والتنمية في الوصول إلى سدة الحكم عقب دفع أحزاب الوصاية البلاد إلى حافة أكبر الأزمات الاقتصادية في تاريخ البلاد. وفي سنواته الأولى على كرسي الحكم تمسك بمفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واحتضن طبقات واسعة من المجتمع التركي ليرفع رصيده لدى الرأي العام التركي.
وفي المرحلة الثانية قام بوأد محاولات الانقلاب العسكري والقضائي مستعينا برصيده لدى الرأي العام التركي. وفي عام 2011 عندما حصل الحزب على نصف أصوات الناخبين في الانتخابات قرر رئيس الحزب في ذلك الوقت رجب طيب أردوغان، أن يحكم البلاد مع الزمرة المحيطة به، وفقا لأهواهم معتقدا أنه قضى على الوصاية العسكرية في البلاد وضمن دعم الشعب له لتبدأ بذلك فترة أردوغان الثاني.
ولكن كيف تحول أردوغان الأول إلى أردوغان الثاني؟ هناك آراء ونظريات مختلفة في هذا الصدد: إذ يرى الكماليون أنها النهاية الحتمية للهوية الإسلامية الخفية. أما مناصري الحرية، فيرون أن “الحكم يفسد وأن السلطة المطلقة تفسد بالتأكيد”. بالإضافة إلى بعض التقارير والتحليلات التي تتناول القضية أيضًا.
وهنا من المؤكد أنه يظهر أمامنا أن حزب العدالة والتنمية مثله كمثل كل الكائنات الحية قد مرَّ بمراحل التطور والتحول. وفي نهاية هذا التطور يصعب لنا الحديث عن وجود أية أيدلوجية أو مرجعية لحزب العدالة والتنمية عند النظر إلى النقطة التي آل إليها في الآونة الأخيرة. وإذا كان لا بد من إضافة أية أيدلوجية إليه فيمكننا أن نقول إن حزب العدالة والتنمية له اتجاه كمالي بمعنى الاستبداد وعدم قبول المجتمع المدني وأي نوع من المعارضة ويلجأ إلى ديماجوجية الشعبوية الإسلامية حتى يستطيع إدامة حكمه كما له اهتمام وغبطة بسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليؤسس حكم الحزب الواحد والرجل الواحد.
وفي النهاية قد يكون التوصيف المناسب لحزب العدالة والتنمية هو أنه حزب شخصية انتهازية (أردوغان) لم يبق له أي هدف أو غاية أو ميزة سوى إدامة حكم مجموعة اتفقوا حول مصالح اقتصادية وسياسية في البلاد.