أورخان كمال جنكيز
كنت أتصفح رسائل المشاهير لمعجبيهم احتفالا برأس السنة الجديدة على مواقع الإنترنت فإذا بعيني تقعان على رسالة للمفكر الألماني إيكهارت تول بعنوان “تحمل عبء الماضي”. بادئ ذي بدء يسرد أحد قصص طائفة “الزن”اليابانية البوذية ثم يطرح مجموعة من الأسئلة.
وكانت القصة التي تناولها تول في حديثه كالتالي:
كان تانزان (Tanzan)، وإيكيدو (Ekido) راهبان بطائفة “زن” اليابانية البوذية يسيران على جانبي طريق استحال إلى وحل بسبب الأمطار الغزيرة. وعندما أقبلا على مشارف القرية رأيا امرأة تقف على جانب الطريق تخشى أن تخطو في الوحل والطين. فإذا أقدمت على عبور الطريق ستتلطخ ثيابها الحريرية بالطين. وعلى الفور أدرك تانزان الموقف وهم باحتضان المرأة ونقلها إلى الجانب الآخر للطريق.
وبعدها أكمل الراهبان طريقهما في صمت. وواصلا السير لخمس ساعات متواصلة ووصلا إلى مدخل المعبد فإذا بإيكيدو يعجز عن الحفاظ على هدوئه ويقول: “لماذا حملت المرأة إلى الطرف الآخر من الطريق؟ نحن رهبان ولا يجوز لنا أن نفعل مثل هذه الأفعال”.
ورد عليه تانزان متعجبا: “لقد مرت ساعات منذ حملت المرأة للطرف الآخر من الطريق وتركتها هناك أوَمازلت أنت تحملها في ذهنك طوال هذه الساعات الماضية؟”.
*********
وبعد أن فرغ تول من القصة طرح سؤالا: لا شك في أن من يعيش حياته مثل إيكيدو ولا يستطيع أن ينسى أي شيئ في الماضي يجد في حياته معاناة وصعوبات كبيرة وعديدة، أليس كذلك؟
وفي الواقع نحن مواطني هذا البلد نعيش معاناة إيكيدو دائما. لا يمكننا أن نترك أي شيئ كاملا في طيات الماضي. ولا نستطيع أن نواجه أي شيئ من ماضي هذا البلد، لأن تاريخنا ملئ بالأكاذيب.. فلايمكننا أن نحزن على ما نعيشه من أسى أو نفرح بما نعيشه من سعادة ولا نستطيع أن نكمل المسيرة تاركين كل ذلك وراءنا في الماضي.
فنحن لم نستطع حتى الآن أن نواجه بشكل حقيقي تلك المجازر والمذابح التي حدثت في ماضي هذا البلد أو حتى تاريخ ديقراطيتها الموبوء بالمشكلات. ولم نستطع أن نرى مساوئ وعيوب بجانب نجاحات وإنجازات شخصيات تاريخية مثل مصطفى كمال أتاتورك أو عدنان مندريس ولم نستطع أن نواجه ما ذاق من مرارات الحياة كل معارض من أي تيار فكري كانوا في هذه البلاد بسبب تعرضهم للظلم في الفترات الماضية.
فنحن لانستطيع أن نتغير لأننا لم نستطع مواجهة أي شيئ في الماضي بصورة كاملة كما هي حتى نصفّي حسابنا معه ونتركه في الماضي لننظر في حاضرنا.
فنحن مجبرون على تكرار الماضي وعيشه مرارا وتكرارا لأننا لانستطيع أن نغلق صفحات أي من التوترات أو الصراعات التي شهدها هذا البلد في الماضي.
في حين أن أردوغان يتحدث في رسالته الاحتفالية بعام 2015 عن “الخونة الذين بيننا” فهو بذلك يبدأ العام الجديد معلنا الحرب على جزء من مواطنيه أبناء هذا البلد. ومع افتتاح العام الجديد يسلك الطريق نفسه للعودة إلى عادات الدولة السحيقة التي كانت تتهم مواطنيها المنبوذين بالخيانة. ونستقبل العام الجديد منصتين لكلمات رئيس الجمهورية التي تكشف لنا أننا مازلنا معلقين بأحد الأماكن السحيقة. ونفهم من ذلك أنه لن يتجدد أي شيئ في العام الجديد…