بقلم: أرهان باشيورت
في أعقاب نجاح قائمة الأسماء المدعومة من قبل الحكومة التركية في الانتخابات التي جرت مؤخراً لاختيار أعضاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، تم تعليق وظيفة أربعة من المدعين العامين المشرفين على تحقيقات فضائح الفساد والرشوة الكبرى التي طفت إلى السطح في 17و25 ديسمبر عام 2013 بعد أن كانوا هدف رجال السياسة في ميادين الحملات الانتخابية واللقاءات الجماهيرية.
فقد تم إبعاد كل من المدعين العامين زكريا أوز ومعمر أكّاش وجلال كارا ومحمد يوزكتش عن وظائفهم استناداً إلى كتلة أخبار مزوّرة نشرها الإعلام “الفاسد” الموالي للحكومة الفاسدة. والغريب أن قرار الإبعاد سرّب إلى الإعلام الموالي حتى قبل إبلاغ المدعين العامين به والاستماع لدفاعاتهم بشأن الاتهامات الموجهة إليهم.
في الواقع كانت ملفات تحقيقات فساد 17و25 ديسمبر 2013 سحبت قبل ذلك من المدعين العامين الأربعة بحجة اتخاذ “تدبير وقائي” لفقدانهم الحيادية في القضية بحسب زعم السلطات ومن ثم تعرضوا للنفي مع خفض درجتهم.
ويؤكّد خبراء القانون أن كل هذه الإجراءات مخالفة للدستور والقوانين السارية في البلاد خاصة إذا علمنا أن ملف الفساد سحب منهم وتم نفيهم وخفض درجتهم.
أخطاء مخجلة
إن هذا القرار ليس الأول من نوعه، فهناك العديد من الأمثلة على إبعاد مدعين عامين تولوا النظر في قضايا حساسة من قبل المجلس الأعلى للقضاة. فالمدعي العام فرهات ساري كايا تم إبعاده من وظيفته مباشرة على خلفية إعداده لائحة الاتهام الخاصة بانفجارات “شمدينلي” المتهم في إطارها عدد من الجنرالات والضباط في الجيش بالتعاون مع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. كذلك تم إبعاد المدعي العام ساجد كاياصو بعد فتحه دعوى ضد الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد 12 أيلول عام 1980. بل لم تكتف السلطات بإبعادهما من الوظيفة وإنما منعتهما من مزاولة مهنتهما مرة أخرى أيضاً. لذلك نتمنى أن لا يكرّر مجلس القضاء الأعلى الأخطاء المخجلة ذاتها.
وإذ نقول ذلك نقبل أيضاً بطبيعة الحال إمكانية أن يخطئ المدعون العامون. ومن الضروري أن يحقّق المجلس في الادعاءات الواردة بحقهم إن كانت تستند إلى أدلة قوية وملموسة. ولكن إذا كان يتم إقصاء المدعين العامين لمجرد الادعاءات والافتراءات التي يسوقها الإعلام الفاسد فلا يمكن اعتبار ذلك “عملية قانونية صرفة”.
ومن المستحيل الاعتقاد بعدالة القرار الصادر بحق المدعين العامين بعد أن نشرت الصحف الموالية في صفحاتها الأولى قبل أسابيع أخباراً تحت عنوان: “سيتم إبعادهم جميعاً” وبعد الحكم عليهم دون الاستماع لدفاعهم. فأي مدعٍ عام سيتجاسر على فتح تحقيقات حول ممارسات فساد محتملة في هذه البلاد بعد أن شاهد مصير المدعين العامين الأربعة الذين كشفوا عن فضائح الفساد والرشوة الكبرى في 17 و25 ديسمبر وبعد أن علم كيف أنهم أصبحوا هدف السياسيين في ميادين الانتخابات.
هل هو انتقام شبكة أرجينيكون؟
ولا ريب في أن هتافات النصر التي أطلقها الضباط والجنرالات المتهمون في إطار قضية شبكة أرجينيكون المعروفة في تركيا بـ”الدولة العميقة” ووسائل الإعلام المؤيدة لهم عقب انتخابات مجلس القضاء الأعلى وتعيينات المحكمة العليا أمر لافت للانتباه وأنها تجعل قضية وقف المدعين العامين عن العمل أكثر إثارة للجدل والفضول. ذلك أن المبعدين من وظائفهم هم المدعون العامون الذين أشرفوا على التحقيقات الخاصة بقضية أرجينيكون وقضايا أخرى تتعلق بالبؤر والمراكز العميقة والخفية في تركيا وقدّموا إسهامات نوعية لإنقاذ البلاد من نظام الوصاية العسكرية.
لذلك فإن التعامل مع أؤلئك المدعين العامين بهذه الطريقة يقوّي الادعاءات الواردة حول “إتمام الكيانات والبؤر العميقة عملية إعادة هيكلتها واستردادها المواقع الحاسمة في الدولة”. فحرص السلطة السياسية على إغلاق ملفات تحقيقات “الفساد والرشوة” يتم استغلالها من قبل مجموعة معينة لتصفية المدعين العامين “الأحرار والشجعان” وترهيب نظرائهم القائمين بوظائفهم حالياً والانتقام من البعض. وفي سبيل تحقيق ذلك يتم بشكل متعمد تقويض كل المبادئ والأسس الديمقراطية ومبدأ دولة القانون ومساواة جميع المواطنين أمام القانون. وهذا يؤدّي إلى تأسيس “قانون السادة” في تركيا مجدداً بدلاً عن “سيادة القانون” التي تسمح حتى بمساءلة “المحميِّين”.
وأزعم في الختام أن الخطوة الأخيرة لحكومة العدالة والتنمية أقصت نظام القانون والديمقراطية من البلاد وليس المدعين العامين من وظائفهم.