مصطفى أونال
إن جدول الأعمال كثيف جدا إلى درجة أنه لا يمكن الاستمتاع بتقييم السنة المنقضية بطولها وعرضها. تم اقتحام منزل الصحفية صدف كاباش بسبب تغريدة لها على”تويتر” ومن ثم اعتقالها. فما هي جريمتها؟ جريمتها أنها انتقدت المدعين العموم الذين أصدروا القرار بإغلاق التحقيقات في ملفات الفساد والرشوة التي تكشفت في 17و25 ديسمبر/كانون الأول 2013. اعتقلت لأنها كتبت: “لا تنسوا هذا الاسم”. كما صودر جهاز كمبيوتر خاص بها باعتباره أداة الجريمة.
فهل يظن أولئك المدعون العموم أنهم سيُنسون؟ بل إنهم سيُذكرون ما دارت الأيام في هذه الدنيا. قال رجل القانون الأسطوري سامي سلجوق: ” المدعي العام الذي أوقف التحريات في ملف 17 ديسمبر/كانون الأول ما كنت لأنجِّحه حتى في الصف الأول من كلية القانون”. ومعروف ما هي الغاية من اعتقال كاباش: هي التهديد غير المباشر. مثل اعتقال شاب من مدرسته وهو في الـ16من عمره.
وهذه الإجراءات لا تدل على قوة الدولة مطلقا بل على الخوف والرعب. وهي للأسف تؤثر سلبا على صورة تركيا في الخارج. وتتحول “تركيا الجديدة” تدريجيا إلى دولة تذكر بالفساد وانتهاك القانون كما تذكِّر دول العالم الثالث المنطوية على ذاتها.
وقبيل انتهاء عام 2014 قامت الإدارة الجديدة في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العموم بإقصاء المدعين العموم الذين تابعوا التحقيقات في عمليات الفساد 17و25 ديسمبر/كانون الأول 2014، مع وعودها بالعمل حسب”التعليمات”. فقد استهدف حزب العدالة والتنمية 4 مدعين عموم . كما تمت الإشارة إليهم بالبنان في الساحات الانتخابية. حيث كان من الواضح أن المدعين العموم الذين حققوا في فساد حزب العدالة والتنمية لن يُتركوا دون عقاب. وطلب أصحاب السلطة عقابهم فنفذه المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين الذي تم تأسيسها من جديد وأعيدت هيكلتها. ولا داعي للتذكير بأن هذا المجلس أصبح تابعا للعدالة والتنمية بعد انتخاب أعضائه أخيرا. ولن يُنسى إقصاء المدعين هؤلاء من طرف المجلس الأعلى لأنهم كشفوا اللثام عن تورط 4 وزراء في عمليات الفساد والرشوة. ولاشك في أن التاريخ سيسجل هذا القرار، كما سيستمر الناس في تذكره دوما مثل إقصاء المدعين العموميين فرهات صاريكايا وساجد كاياسو من قبل. وهذا عيب من عيوب حكومة العدالة والتنمية.
وهاتان الحادثتان اللتان وقعتا في اليوم نفسه تشكلان تلخيصا لأحداث عام 2014.
كانت عام 2014 رحلة طويلة وشاقة. وكان 2013 بما فيه من آلام المخاض يشير إلى أن 2014 حافل بالأحداث. وقد تابعتُ الأرشيف وكنتُ قد كتبتُ عند دخولنا في عام 2014 “إنه سيكون أطول سنة ستمر على تركيا.. فاستعدوا لسنة هوجاء ذات عواصف” وليتني كنتُ مخطئا. فيالها من عواصف هبت بشدة في هذه السنة.
كان عام 2014 عام السياسة إذ شهد عمليتين انتخابيتين. حيث انتُخب أردوغان بالتصويت الشعبي رئيسا للجمهورية. وفاز حزب العدالة والتنمية في صناديق الاقتراع. ولكنه ضيع روحه. وابتعد عن جذوره وسار في الاتجاه المعاكس. وقد أُسيئ كثيرا للديمقراطية والحريات. كما تخلى الحزب عن الإصلاحات التي كان مقدما على إنجازها. في حين أن حزمة القوانين جعلت تركيا تقترب من سوريا بدلا عن بروكسل. فقد خرج قطار تركيا عن مسار الاتحاد الأوروبي.
وإن عمليات الفساد والرشوة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2013 هي التي أخلت بتوازن العدالة والتنمية. وما عاد بإمكانه إنقاذ نفسه من هذه الورطة وقد جرب كل الطرق الممكنة لطي ملفات الفساد والرشوة ولو كلفه ذلك إنكار نفسه وماضيه. واعتبر أن التحقيق في عمليات الفساد بمثابة محاولة انقلاب للإطاحة بالحكومة. ولم يأت بأية وثيقة لإثبات صحة ادعاءاته حتى بعد أن مضى عام كامل. بل بقيت كل الادعاءات مجرد كلام. ولم تتجاوز أن تكون أداة دعاية طوال العام.
وأعلن العدالة والتنمية الحرب على حركة الخدمة بأكملها دون تمييز بين مجرم وبريء مدعيا وجود كيان مواز. ولم يكتف بذلك بل تمادى ليستهدف المدارس التركية خارج البلاد. وقد عمل على تفعيل الكتاب الأحمر بعد أن كان ينتقده من قبل بوصفه تهديدا لوجوده. وبذلك وقّع على أكبر ظلم بيروقراطي في تاريخ الجمهورية. وهذه ليست مجرد اتهامات فقد اعترف بأنه يزاول مطاردة الساحرات.
ولم ينجُ الحزب من شبح 17 ديسمبر/كانون الأول 2013 على الرغم من كل ما فعله. وكلما نظر إلى المرآة رأى حقيقة 17 ديسمبر. وقبل حوالي أسبوعين عند الاقتراب من الذكرى السنوية لـ17 ديسمبر قام بعملية 14 ديسمبر/كانون الأول حيث استهدف صحيفة” زمان” وقناة” سامان يولو”. وتم اعتبار مقالين وخبر صحفي وحلقة من مسلسل أدلة على الجريمة الأمر الذي سيدخل تاريخ القضاء العالمي. وكان الهدف هو الانتقام ومنع الحديث عن أحداث 17 ديسمبر. ولكن نقيض ذلك هو الذي حدث فعملية 14 ديسمبر أكدت عملية 17 ديسمبر.
وكانت حادثة منجم سوما هي الأسوأ في 2014. حيث تحول منجم الفحم إلى مقبرة جماعية لـ301 عامل. ثم حدثت فاجعة أخرى في منجم فحم ببلدة أرمينيك في محافظة كارامان. وقد دُفن حزب العدالة والتنمية أيضًا تحت التراب مع العمال الذين انهال عليهم المنجمان. مع العلم بأن مثل هذه الكوارث الكبيرة صارت من الأحداث التي تذكر في التاريخ بالنسبة لكثير من دول العالم. فقد كانت سياسة الحكومة بعيدة جدا عن منع حدوث الكوارث. وبقي حساب سوما مفتوحا فلم تدفع السياسة ولا البيروقراطية ثمنه.
انتهى عام 2014 الذي كان مليئا بالعواصف والآلام التي امتد بعضها إلى عام 2015 والآلام من المبشرات باقتراب المخاض والولادة. و2015 هو الأمل.