جولتكين آفجي
يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن إعلام بلاده يعتبر “الأكثر حرية على مستوى العالم”. هو محق فيما يقول ذلك أن جميع القيم تسير في عكس الاتجاه في تركيا إذ أصبح الفجور فضيلة والرذيلة عفّة والاستبداد قانونًا والنفاق دينًا والسرقة شرفًا.
لقد تحول الأبرياء الأنقياء الذين لايعرفون إلى العنف سبيلًا إلى إرهابيين. أما المجرمون الذين سفكوا دماء الآلاف من الأبرياء على مدار عشرات السنين فتحولوا إلى “حمامات سلام”.
عندما تستعرضون الوضع في “تركيا الجديدة” بهذه الطريقة ستلاحظون أن إعلام البلاد يعتبر “الأكثر حرية” على مستوى العالم. لاتهتموا كثيرًا بحلول تركيا في المرتبة الـ 154 في آخر تصنيف لحرية الصحافة. وسبب ذلك بسيط وهو أن الرئيس أردوغان هو الذي يحدد مدى حرية إعلام بلاده وليس سائر سكان الأرض الآخرين !
إن مَلَكات الرؤية لدينا ولدى سائر المخلوقات الأخرى في هذا العالم وإدراكها محدود للغاية في تركيا! وكان رئيس الوزراء أحمد داودأوغلو قد أدلى بتصريح عندما كان وزيرًا للخارجية قال فيه: “إذا كان مَن يوجِّه سؤالًا من الصحفيين إلى مسؤول بالدولة يستطيع أن يرجع إلى منزله دون أن يصيبه أذى فهذا يعني أن هناك حرية صحافة”.
فأين حرية الصحافة والإعلام هذه التي تعتبر على درجة عالية جدًا من التقدم (!)، والتي حتى تبدو بعيدة المنال على العاملين في الحقل الإعلامي في تركيا؟ للأسف، فإن عقولنا الخربة لاتستطيع إدراك هذه الحرية التي لا توصف!
كلما يقول السيد أردوغان: “لا تشتروا صحفهم ولا تدخلوها بيوتكم!” تزداد حرية الصحافة والإعلام أكثر في تركيا!
إن التفرقة الشديدة التي تطبقها رئاسة الجمهورية وحكومة حزب العدالة والتنمية بين وسائل الإعلام المعارضة – في الواقع – ترفع قدر الإعلام وتجعله أكثر حرية!
عندما يعتقل العاملون في الحقل الإعلامي ويتم إعلانهم كإرهابيين بسبب مقالات صحفية وسيناريوهات مسلسلات تليفزيونية ستتربع تركيا على المرتبة الأولى في مجال حرية الإعلام على مستوى العالم.
وكأن حرية الإعلام ستصل إلى ذروتها عندما يتدخل أكبر مسؤول بالدولة حتى فيما تبثه القنوات الإخبارية كما شهدنا ذلك عندما تدخل الرئيس أردوغان قبل ذلك حينما كان رئيسًا للوزراء.
وكأن حرية الصحافة ستصل إلى أعلى درجاتها عندما يهان مسؤولو القنوات التليفزيونية العجائز باتصال هاتفي ويضطرون للبكاء بسبب ما سمعوه من إهانة.
لقد جمعوا أموالًا عنوة من رجال الأعمال، وشكلوا بها ما يسمى “إعلام الحوض المالي”، وأسسوا مملكة الكذب والافتراء، حتى أن العالم الإنجليزي جون ميلتون يشعر بالخجل إزاء هذا القدر من الحرية!
إن السعي لهدم المؤسسات الصحفية والإعلامية في تركيا بعد حصارها بآلاف المؤامرات من أجل السيطرة عليها، لأنها لم تبايع الحكومة، هو أكبر ضمانة على حرية الصحافة في تركيا الجديدة!
كم من وسائل إعلام في الخارج يكون من نصيبها الوصول إلى النشوة في خضم سُكر الحرية من خلال إصدار تعليمات هاتفية إلى الصحف ووسائل الإعلام لفصل هذا الكاتب وتعيين ذاك؟
في الحقيقة، إن الشعب التركي يحظى بالمزيد من الحرية عندما يغلق الرئيس أردوغان موقع تويتر، ويمنع الوصول إلى موقع يوتيوب، ويراقب كل تحركات معارضيه على الشبكة العنكبوتية!
يبدو أن شن الحملات على وسائل الإعلام المعارضة والهجوم على أصحابها، يرفع من مستوى حرية الإعلام في تركيا، ويجعلها تخضع للمعايير العالمية!
وفي الواقع، فإن فرض غرامات مالية فلكية وعقوبات وقف بث على وسائل الإعلام التي تنتقد فضيحة الفساد التي تلطخت يد الحكومة بها، وتنقلها إلى الجمهور، يفتح الباب أمام حرية الإعلام!
ألا تفهمون؟ في تركيا الجديدة التي يبنيها حزب الدالة والتنمية:
– بقدر ما أنكم غير موجودين فأنتم موجودون.
– بقدر ما أنكم فقراء فأنتم أغنياء.
– بقدر ما أنكم فضلاء فأنتم عديمو الأخلاق.
– بقدر ما أنكم أبرياء فأنتم مجرمون.
– بقدر ما أنكم ديمقراطيون فأنتم انقلابيون.
– بقدر ما أنكم معارضون فأنتم تنتمون إلى الكيان الموازي.
– بقدر ما أنكم أبرياء فأنتم إرهابيون.
– بقدر ما أنكم كاذبون فأنتم صادقون.
– بقدر ما أنكم صحفيون فأنتم خونة.
– بقدر ما أنكم على الاستقامة فأنتم خطرون.
وعندما تكون القيم الجمعية على هذه الشكلية فإن الإعلام التركي يكون الأكثر حرية على مستوى العالم.
صحيفة” بوجون” التركية