شاهين ألباي
اتخذ حزب الشعوب الديمقراطية (HDP) قرارًا بخوض الانتخابات البرلمانية في تركيا المزمع إجراؤها أواسط شهر يونيو/ حزيران المقبل،كموعد أقصى، كحزب قائم بذاته، وليس من خلال مرشحين مستقلين كما كان يفعل في السابق، وذلك على الرغم من حاجز العشرة بالمئة المفروض على الأحزاب السياسية لدخول البرلمان، وهو الأمر الذي يطرح علينا – بدوره – سؤالًا حول ما إذا كان هذا القرار جاء نتيجة لاتفاق تم التوصل إليه بين حكومة حزب العدالة والتنمية وزعيم منظمة حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في إطار المفاوضات الجارية بين الطرفين أم لا.
وإن كان الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرطاش قد أدلى بتصريحات قال فيها: “هل نحن سفلة إلى هذه الدرجة حتى نبيع أصواتنا إلى حزب العدالة والتنمية؟ سنخوض الانتخابات تحت لواء حزب الشعوب الديمقراطية وسننتصر على حزب العدالة والتنمية وليروا حينها مَن تحالف مع مَن. فكل هذه الادعاءات موجَّهة للنيل من حزبنا…”.
لاتزال عقولنا تناقش احتمالية حدوث عملية “مساومة” بين الحزبين. ذلك أن ادعاء السيد دميرطاش بشأن قدرة حزبه على تخطي حاجز العشرة بالمائة من الأصوات لدخول البرلمان، لايبدو واقعيًا بالمرّة. وهناك احتمال كبير أن يكون حصول دميرطاش على ما يقرب من 10% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر أغسطس/ آب الماضي جاء نتيجة لانخفاض نسبة إقبال الناخبين على التصويت إذ شارك بالانتخابات 74% ممن يحق لهم التصويت. أضف إلى ذلك ما يقوله البروفيسور أرسين كالايجي أوغلو، أحد علماء السياسة البارزين في تركيا: “لا يمكن لحزب الشعوب الديمقراطية أن يحصد حتى 6% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية فليس لديهم أي حظ في ذلك. وإن عدم تمكن الحزب من تخطي الحد الأدنى من الأصوات التي تجعله يدخل البرلمان يعني أن ثلاثة أحزاب فقط هي التي ستتخطى هذا الحاجز. وهذا يعني – بدوره – إهداء ما بين 30 إلى 35 مقعدًا في البرلمان إلى حزب العدالة والتنمية”. (جريدة طرف، 22/12/2014)
ألا تدعونا هذه الحقيقة إلى طرح تخمينات حول ماذا يمكن أن يكون في حسبان حزب الشعوب الديمقراطية؟ وهناك فرضية تقول: يمكن أن تصدر المحكمة الدستورية قرارًا بـ”انتهاك الحق” فيما يتعلق بحاجز العشرة بالمائة من الأصوات. وفي هذه الحالة يمكن لأحزاب العدالة والتنمية والشعوب الديمقراطية وكذلك الشعب الجمهوري أن تتفق على خفض هذا الحاجز إلى نسبة 5%، وإضافة مادة مؤقتة إلى الدستور تفتح الباب أمام تطبيق هذه القاعدة في الانتخابات المقبلة. وعندئذ يمكن لحزب الشعوب الديمقراطية (حتى وإن لم يحدث ذلك نتيجة مفاوضات أولية) أن يقدم الدعم في البرلمان للتعديل الدستوري الذي سيطرحه حزب العدالة والتنمية عقب الانتخابات للانتقال إلى النظام الرئاسي. وذلك في مقابل تلبية الحد الأدنى من الشروط التي يضعها الجانب الكردي في إطار المفاوضات التي تجريها الحكومة التركية مع زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان والتي اتُخذ بشأنها قرار بـ”السرّية”.
أما الفرضية الثانية فتنص على التالي: تسعى الحركة السياسية الكردية باتخاذها قرار خوض الانتخابات البرلمانية بواسطة حزب الشعوب الديمقراطية كحزب قائم بذاته إلى إجبار الحكومة التركية على التخلّي عن تكتيك “المماطلة” الذي تتبعه منذ شهر مارس / آذار 2013، وجعْلها تقبل بالحد الأدنى من المطالب التي طرحتها على الطاولة قبيل الانتخابات.
2وإذا نظرنا إلى التصريحات التي يدلي بها المتحدثون باسم جبال قنديل سندرك أن الحد الأدنى من المطالب ربما يكون بدء المفاوضات من خلال المسودة التي أعدها أوجلان ولقاء أوجلان بـ”لجنة الحقيقة” التي ستتشكل يوم 15 فبراير/ شباط المقبل ومشاركته في المؤتمر العام الذي سيعقده حزب العمال الكردستاني في شهر أبريل/ نيسان المقبل.
يقول القيادي باتحاد المجتمعات الكردستانية جميل بايك إنه من الممكن أن نشهد “انقلابًا أو حربًا أهلية” إذا لم تبدأ المفاوضات وفق المسودة قبل إجراء الانتخابات البرلمانية في تركيا. ومن جانبه، أوضح القيادي الآخر بحزب العمال الكردستاني مراد كاراييلان أن الكفاح المسلح للتنظيم سينتهي إذا أفضت مفاوضات السلام إلى نتيجة يوم 15 مارس/ آذار المقبل، وإلا “فإن الكفاح المسلح سيستمر”. وربما يبرر العمال الكردستاني عودته إلى الكفاح المسلح في ظل بيئة لايستطيع فيها حزب الشعوب الديمقراطية أن يجد لنفسه مكانًا تحت قبة البرلمان.
ويمكن أن نتحدث في هذا المقام عن فرضية ثالثة وهي أنه إذا لم يحدث ما سردناه أعلاه يمكن أن يعقد حزب الشعوب الديمقراطية تحالفًا انتخابيًا مع حزب الشعب الجمهوري. نعم، أعلم أن اللوائح تحظر التحالفات الانتخابية، لكن ربما نشهد تحالفًا على غرار خوض المرشحين الأكراد انتخابات عام 1991 ضمن قائمة الحزب الشعبي الديمقراطي الاجتماعي (SHP). فهناك تخمينات تدور حول هذه الفرضية منذ شهر سبتمبر / أيلول الماضي. (راجع المقال الذي كتبه حسين يايمان في جريدة وطن بتاريخ 25/9/2014 وحمل عنوان “هل سيتحالف حزب الشعب الجمهوري مع حزب الشعوب الديمقراطية في الانتخابات؟)
ولم يغفل أحد عن التصريح الذي أدلى به رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو مطلع الشهر الجاري في مدينة ديار بكر؛ إذ قال: “ليس على أجندتنا أمر كهذا في الوقت الحالي لكن اليوم الواحد يعتبر فترة طويلة جدًا في عالم السياسة…” وبالرغم من التصريحات التي يدلي بها الطرفان لتكذيب هذه التوقعات، إلا أنه لايمكن ألا نضع في حسباننا احتمالًا كهذا ذلك أنه – أي هذا الاحتمال – ربما يصب في مصلحة كلا الطرفين.
إن محاولة إيجاد مغزى لخوض حزب الشعوب الديمقراطية الانتخابات البرلمانية المقبلة كحزب قائم بذاته يرهق عقولنا من التفكير.
صحيفة” زمان” التركية