[lightbox full=”http://”][/lightbox]
الصحفيون الكرام.. أصداقائي الأعزاء..
إن تركيا تشاهد مسرحية. إن الذين يريدون اختلاق حادثة أكثر إثارة للتستر على آثامهم وعيوبهم وفسادهم استهدفوا جريدة “زمان” وشبكة سامانيولو الإعلامية، بل وهددوا حرية الصحافة في البلاد دون المبالاة بإلحاق أضرار جسيمة بسمعة تركيا في العالم أجمع… فيا للخزي والعار…
لقد شنوا حملة مداهمة على مبنى إحدى الصحف. واعتقلوا رئيس تحريرها. فضلا عن اعتقال مدير مجموعة قنوات تليفزيونية ذات شأن في تركيا. فقد كانت نية وأهداف من يضحّون بأبناء هذا الوطن من أجل التستر على فضائحهم واضحة.
وأنا أرد ادعاء من ادعى أنني عضو بتنظيم إرهابي إليه. وأوجه الادعاءات نفسها لمن اتهم جريدة زمان بالنشر الإرهابي. فلتخافوا الله، اتقوا الله وتجنذبوا الافتراء على صحيفةٍ تعمل في هذا المجال منذ نحو 30 عاما. ونرد تلك الافتراءات إلى أصحابها أياً كانوا سواء كان صحفيا أو كاتبا مستأجرا أو سياسيا أو مالكاً لإحدى وسائل الإعلام. والذين يطلقون الافتراءات ضد شخص مثلي له خبرة 20 عاما في مجال الصحافة ويعيش بين الناس، وضد زملائه وأصدقائه بالانتماء لتنظيم إرهابي… أرد كل تلك الافتراءات إليهم.
وفي النهاية جاؤوا واعتقلونا. وقد قلنا صراحة إننا لا نخشى الاعتقال ولا نخاف أن ندخل السجون ولا نخشى شيئًا ولو كان حبل المشنقة هو ما يهددوننا به. بل نذهب وكأننا ذاهبون إلى عُرسٍ. فحتى وإن صمت الجميع لن تصمت الصحافة. حتى وإن خاف الجميع لن يخاف الإعلام. وحتى وإن وصل الأمر إلى خوف الإعلام لن تخاف صحيفة زمان.
لقد بقيت طوال أربعة أيام في مديرية الأمن، بقيت قيد الاحتجاز. فلو كنت قد ارتكبت جريمة ما فأنا مستعدّ للتضحية بحياتي وحريتي أيضًا. لماذا كنا نقول ذلك براحة البال؟ لأننا لم نرتكب جريمة. ليست لنا دية ندفعها لأحد. وليس لنا أي عمل غير قانوني. لذلك لن نحني رؤوسنا أمام الظالمين.
مثلتُ أمام المدعي العام بعد أن جعلوني انتظر في مخفر الشرطة طوال أربعة أيام. وأنتم أيضًا اطلعتم على الأسئلة الموجهة إليّ.. الكاتب الفلاني كتب مقالا فهل أنت الذي أمره بكتابة ذلك المقال؟ لا لم أكن أنا من أمره بذلك.. حسنًا فما التهمة الموجهة إليَّ؟ فهل ستصدقون يا ترى إذا قلت لكم إن سبب ما عانيته طوال ستة أيام هو: مقالان وخبر صحفي واحد؟! مع أن مدير تحرير جريدة “حريَّت” أيضًا قد كتب مقالا في نفس الموضوع. فأي منطق غير قانوني هذا الذي يعتبر إعداد خبر عن خطابات نُشرت على صفحات الإنترنت والتعليق عليها جريمةً ثم يربط علاقات تنظيمية استناداً إلى ذلك؟ إن هذا يدلّ على عدم وجود أية جريمة. ولكنهم لفّقوا جرائم لما لاحظوا عدم وجود أي جريمة ارتكبناها.
وللأسف، أدليت بأقوالي طوال الليل أمام المدعي العام. وفي النهاية قلت للمدعي العام: هل السبب وراء كل ما أتعرض له منذ أيام هو مقالان وخبر صحفي؟ فأجابني بـ “نعم”.
لم يعد أحد في مأمن في تركيا بعد الآن. فالمؤامرات تحاك ضد الناس عن طريق إحضار بعض الأشخاص للإدلاء بشهادات زور والافتراء على الآخرين مع إعطائهم صفة “الشاهد السري” وبعض الضمانات والوعود.
وأنا أقول ماهي التهم الموجهة إلينا؟ ماهي؟ يوجد مسلسل درامي..تظهر فيه بعض الأحداث. وقد قدمت لهم ملخصاً لتاريخ السينما، للسيد المدعي العام. فعلى سبيل المثال انظروا إلى فيلم “Taxi Driver” الأمريكي الذي وصلت أحداثه إلى حد اغتيال الرئيس الأمريكي رونالد ريجان! إذن فاعتقلوا أيضًا كلاً من الممثلين مثل روبرت دي نيرو وجودي فوستر…
لِنقُلْ أنتم لا تفهمون من الأعمال الفنية. فانظروا على الأقلّ إلى الشاعر نجيب فاضل إذ قال للمدعي العام عندما اعتقل بناء على قول أحد المتهمين بجريمة: “لقد تأثرت من كلمات نجيب فاضل ففعلت فعلتي هذه”. فرد عليه نجيب فاضل قائلا: “يا سيادة المدعي العام! إذا كان الأشخاص يُعتقلون لارتكابهم فعلاً ما نتيجة التأثر من شيئ مكتوب من نتاج الخيال فأخرجوا شكسبير من قبره واشنقوه مائة مرة إذن”.
كيف لهم أن تتوصّلوا إلى وجود تنظيم إرهابي انطلاقاً من ذلك؟ لا يجب على الذين يبحثون عن تنظيم إرهابي مسلح أن ينظروا بعيدا. وإنما عليهم أن يلقوا نظرة على المحيطين بهم. وأقول للساسة والقضاة الذين يتهمون أبناء هذا الوطن بالإرهاب: “في تركيا التي تمنح الإرهابيون ميداليات.. نرفض هذه الادعاءات ونردّها إليكم ونلصقها على نواصيكم”.
إذا كنَّا قد سلكنا الطريق سويا مع بعض السياسيين فإننا كنا نظنّهم ديمقراطيين ونحسبهم داعين للحرية. وأنا أريد أن أسألهم ألم نقف بجانبكم عندما كنتم تواصلون السير في طريق الديمقراطية؟ ألم ندعمكم عندما أجريتم الإصلاحات؟ ألم نصفّق لكم كلما تقدمتم نحو الاتحاد الأوروبي؟ هل أصبحنا أعضاء تنظيم إرهابي بين عشية وضحاها بعد أن أعلنَّا صراحة “أننا لسنا معكم” بعد الكشف عن الفساد؟
وقد قلت ذلك لقاضي التحقيق أيضًا: ضع يدك على ضميرك واستفتِ قلبك! فإذا كان هناك دليل إدانة فأنا لا أريد أن أخرج من هذا السجن. وقد رزقني الله مولودة لكنني لا أريد أن أراها إذا كانت هناك جريمة ثابتة ضدي.
فلو قلتم لي: “ستذهب الآن لرؤية مولودتك التي رزقت بها قبل ساعات. وهل أنت سعيد لذلك؟ ولقد سميتها “سعادة”، فهل تشعر بالسعادة؟”. لا، لا أشعر بالسعادة ويوجد ألم بداخلي وأنا أحس بحزن شديد. لأنه كان من المفترض أن يكون صديقي العزيز وأخي مدير مجموعة قنوات سامان يولو هدايت كراجا هنا بجانبي أيضا. فما ذنب هدايت كاراجا؟
وقد اطلعت على التهم الموجهة إلى السيد هدايت. ولكنها لايمكن أن تكون جريمة وتهمة… فإذا كانت هذه هي التهم، فعلى السلطات أن تصادر جميع المسلسلات الموجودة في تركيا! وتعتقلَ جميع كُتَّاب السيناريو! وتعتقلَ المنتجين للأفلام أيضًا!
فالممارسات التي تتعرض لها مجموعة قنوات سامان يولو خاطئة! والممارسات التي تتعرض لها جريدة زمان أيضًا خاطئة! واحتجاز هدايت كاراجا وإصدار أمر باعتقاله هو قرار خاطئ! فابنه الجسور هنا. هو الآن بات ابننا جميعًا.
وأوجه خالص شكري وتقديري للكتاب والصحفيين ومدراء الإعلام والمفكرين الذين وقفوا بجانبنا في هذه المحن وأيدونا لأنهم يرون أن القضية قضية الديمقراطية مهما كان فكرهم أو نمط حياتهم أو توجههم. فهذا يعني أن المروءة لم تمتْ بعدُ في بلادنا ولم تمت الفتوة ولا الشجاعة.
وأخاطب أيضًا بعض الزملاء الذين فضَّلوا الاختباء حتى تنتهي هذه المحنة. لا يمكنكم الاختباء طويلا! فإذا تم تسليم البلاد إلى الاستبداد سيدفع ثمن ذلك جميع المواطنين. فلا مجال لإحناء الرؤوس أمام الاستبداد! لا مجال للانحناء أمام الطغيان! لا مجال للتراجع خطوة واحدة عن الديمقراطية! لا مجال للتراجع خطوة واحدة عن الحرية! فلا استسلام لليزيدين الجائرين!
ولن يستسلم أي فكر أو رأي في هذا البلد سواء كان يمينيا أو يساريا للاستبداد. وحتى وإن استسلم الجميع فلن نستسلم نحن حتى آخر نفسٍ لنا!
وأوجه تقدري واحترامي لكل من جاؤوا إلى هنا ورابطوا لأيام، وكلِّ من ساندونا بصبر، وكلِّ الأمهات الداعيات لنا من جميع أنحاء العالم، ولأخواتنا وإخوتنا الشباب ولأصدقائنا ولكم جميعًا. نسأل الله أن يفكّ أسر السيد هدايت كاراجا أيضًا في أقرب وقت. واستودعكم الله..