بولنت كوروجو
يتحدث الناس في تركيا حول تنظيم إرهابي لايدل على وجوده إلا مشهد لدقيقتين من أحد المسلسلات.
لقد خفضنا كثيرا مستوى توقعاتنا حول دولة القانون في تركيا. فلسنا حاليا بصدد الوصول إلى الغايات السامية كمواصفات القانون الدولي لأن ذلك يعتبر بالنسبة لنا ترفا. فيكفي لنا تطبيق القوانين التي على الورق لتنسجم مع سجلات العمل. وأصبحنا نتمنى حتى عودة الدستور الذي وضعه انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980. فعلى الأقل نودُّ ألا يُستخفَّ بعقولنا. فهل أنا متشائم في ذلك أكثر مما ينبغي؟ سأخبركم ببعض الوقائع، ثم سأترك التقدير لكم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ينص القانون على أنه إذا لم يُفتح ملف قضية جنائية في الجرائم الصحفية خلال 4 أشهر فلا يمكن أن يُفتح بعده. وقد مضت 5 سنوات على الخبر والمقالين التي اتهموا دومانلي بها. ولا يمكن حتى التحقيق من دون الاعتقال. ولكن المدعي العام حسن يلماز يعترض على إطلاق سراحه بحجة أن الرقابة القضائية غير كافية.[/box][/one_third]تم رفض الاعتراض على اعتقال مدير شكبة سامان يولو الإعلامية هدايت كاراجا. وتم الاعتراض على إخلاء سبيل رئيس تحرير جريدة” زمان” أكرم دومانلي لعدم وجود شكٍّ قوي. ولايزال القرار باعتقال الأستاذ فتح الله كولن ساريا.
ولنفترض جدلا أننا رمينا كل كتب القانون في بئر عميق ومسحنا من الذاكرة كل شيئ متعلق بالقانون. فما الذي فعله كولن؟ إنه ألقى بمحاضرة في أبريل/ نيسان 2009 خلاصتها: “عليكم توخي الحذر دائما لأنه يمكن لبعض أعداء الإسلام أن يوجدوا شيئا يسمى بـ “تحشية” ويضعوا أسلحة في بعض البيوت. ثم تصادر تلك الأسلحة بعد العثور عليها نتيجة الإبلاغ حتى تنتشر فكرة مفادها أن المسلمين أيضا قد يتورطون في الإرهاب والسلاح إذا ما سنحت لهم الفرصة”.
والأستاذ كولن بصفته عالما بالإسلام منذ 40 عاما يشرح بأعلى صوته أن المسلم لايمكن أن يكون إرهابيا وأن الإسلام لايجيز الإرهاب وذلك في محاضراته التي يلقيها في الجوامع وقاعات المحاضرات وعلى شاشات التليفزيون.
فيما كان بعض الناس يتفوَّهون بعبارات رمادية منمقة حين يأتون على ذكر تنظيمات كالقاعدة وداعش كان كولن، كمفكر، يعمل من خلال موقفه الثابت على بطلان فكرة “الإسلام يعني الإرهاب”. وهو خير مثال يزكي المسلمين ويتصدى لفكرة الخوف من الإسلام والتي تعصف بالعالم. فبم يتهمونه الآن؟ يتهمونه بتشكيل تنظيم إرهابي وإدارته! وما هي أداة الجريمة؟ هي مقولاته التي لخصتها آنفا كقوله: “لايوجد إرهاب إسلامي فهناك تنظيمات منافقة تتقنع بقناع الإسلام”. إن اكتشاف تنظيم إرهابي من كلام ما وخصوصا من كلام كهذا لهو اكتشاف عظيم يدل على دهاء كبير! وبإصدار النشرة الحمراء يكونون قد زخرفوا وزيَّنوا هذا الاكتشاف. فكأن الدولة أعطت تعليمات للشرطة والمدعين العموم والمحاكم لحياكة المؤامرات لتصدر الحكم. وإن اعتبار ذلك حلقة في سلسلة كبيرة من المؤامرات يخالف المسيرة الطبيعية للحياة. وبغض النظر عن ذلك كله.. هل يتم إصدار تلك التعليمات علنا في الصحف و المحطات التلفزيونية. فأين العقل من ذلك؟!
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]الأستاذ كولن بصفته عالما بالإسلام منذ 40 عاما يشرح بأعلى صوته أن المسلم لايمكن أن يكون إرهابيا وأن الإسلام لايجيز الإرهاب وذلك في محاضراته التي يلقيها في الجوامع وقاعات المحاضرات وعلى شاشات التليفزيون.[/box][/one_third]كان ذنب أكرم دمانلي أن يكون رئيس تحرير جريدة اقتبس منها الكلام المذكور. فالخبر ذو قيمة عالية فحتى جريدة “وطن” ذكرته بين أخبارها. وكان رئيس تحرير جريدة” حريت” “أرطغرول أوزكوك” قد ذكر ذلك في زاويته. وكان دومانلي يصر في التحقيق على سؤاله هل لديكم اتهام آخر؟ والقاضي بكير ألطون يقول مؤكدا: لا ليس هناك اتهام أخر ضدك.
ينص القانون على أنه إذا لم يُفتح ملف قضية جنائية في الجرائم الصحفية خلال 4 أشهر فلا يمكن أن يُفتح بعده. وقد مضت 5 سنوات على الخبر والمقالين التي اتهموا دومانلي بها. ولا يمكن حتى التحقيق من دون الاعتقال. ولكن المدعي العام حسن يلماز يعترض على إطلاق سراحه بحجة أن الرقابة القضائية غير كافية. ومن المستحيل إخفاء الأدلة وهي الخبر والمقالين في الصحف. ومن السخيف أن يعتقل شخص خوفا من هروبه مع أنه كان بإمكانه الهروب منذ أسبوعين وذهب إلى النيابة بنفسه ليتأكد من أمر اعتقاله وانتظر الاعتقال في عنوانه المعروف.
ونفس الشيئ ينطبق على هدايت كاراجا. فقد ذهب وسلم نفسه للأمن في المديرية العامة والمسلسل الذي يعدُّ دليلا في اتهامه هو في أيديهم. فلا يمكن لأحد أن يزيله بأي حال. والمسلسل عُرض منذ 5 سنوات وانتهت حلقاته (مسلسل تركيا واحدة المعروف في العالم العربي باسم الأرض الطيبة). ولم ترفع ضد المسلسل أية قضية، ولم يتعرض حتى لطلب أي تعديل من مؤسسة الرقابة الرسمية. ولكن كاراجا سيبقى محبوسا بسببه. لماذا؟ نجيب على هذا السؤال بما اشتهر أثناء اعتقال رئيس الوزراء عدنان مندريس وأربعة من وزرائه في جزيرة “ياصي آده” قبل اعدامهم شنقا في عام 1960بعد الانقلاب العسكري ضد حكومته حيث قيل لهم. “لأن الذي أراد إدخالكم السجن يريد ذلك”.. فليحفظ الله عقولنا.
صحيفة” زمان” التركية